للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٦]]

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)

يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ يخاصمون في دينه مِنْ بَعْدِ ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام، ليردّوهم إلى دين الجاهلية، كقوله تعالى وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم «١» وأولى بالحق. وقيل: من بعد ما استجاب الله لرسوله ونصره يوم بدر وأظهر دين الإسلام داحِضَةٌ باطلة زالة.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)

أَنْزَلَ الْكِتابَ أى جنس الكتاب وَالْمِيزانَ والعدل والتسوية. ومعنى إنزال العدل، أنه أنزله في كتبه المنزلة. وقيل: الذي يوزن به. بالحق: ملتبسا بالحق، مقترنا به، بعيدا من الباطل أو بالغرض الصحيح كما اقتضته الحكمة. أو بالواجب من التحليل والتحريم وغير ذلك السَّاعَةَ في تأويل البعث، فلذلك قيل قَرِيبٌ أو لعل مجيء الساعة قريب.

فإن قلت: كيف يوفق ذكر اقتراب الساعة مع إنزال الكتاب والميزان؟ قلت: لأنّ الساعة يوم الحساب ووضع الموازين للقسط، فكأنه قيل: أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم، ويوفى لمن أوفى ويطفف لمن طفف.

المماراة: الملاجة «٢» لأنّ كل واحد منهما يمرى ما عند صاحبه لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ من الحق:

لأنّ قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله، ولدلالة الكتاب المعجز على أنها آتية لا ريب فيها، ولشهادة العقول على أنه لا بدّ من دار الجزاء.

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ١٩]]

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩)

لَطِيفٌ بِعِبادِهِ برّ بليغ البرّ بهم، قد توصل برّه إلى جميعهم، وتوصل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه، وهم أحد من كلياته وجزئياته. فإن قلت: فما معنى قوله يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ


(١) . قوله «ونحن خير منكم» لعله: «فنحن» كعبارة النسفي. (ع)
(٢) . قوله «الملاجة» بالجيم: التمادي في الخصومة، ويمرى: أى يستخرج، كذا في الصحاح. (ع)