للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأئمة الشرع ورؤس المجتهدين، حقيقى بالحمل على الصحة والسداد، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا إلى تعولوا، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا «١» . وكفى بكتابنا المترجم بكتاب «شافي العىّ، من كلام الشافعي» شاهداً بأنه كان أعلى كعبا وأطول باعا في علم كلام العرب، من أن يخفى عليه مثل هذا، ولكن للعلماء طرفا وأساليب، فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات. فإن قلت: كيف يقل عيال من تسرّى، وفي السرائر نحو ما في المهائر؟ قلت: ليس كذلك، لأن الغرض بالتزوّج التوالد والتناسل بخلاف التسرى، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهنّ، فكان التسرى مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوّج، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع. وقرأ طاوس: أن لا تعيلوا، من أعال الرجل إذا كثر عياله. وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي رحمه اللَّه من حيث المعنى الذي قصده.

[[سورة النساء (٤) : آية ٤]]

وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)

صَدُقاتِهِنَّ مهورهن، وفي حديث شريح: قضى ابن عباس لها بالصدقة. وقرئ: (صَدُقاتِهِنَّ) بفتح الصاد وسكون الدال على تخفيف صدقاتهن. وصدقاتهن بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة بوزن غرفة. وقرئ: صدقتهن، بضم الصاد والدال على التوحيد، وهو تثقيل صدقة، كقولك في ظلمة ظلمة نِحْلَةً من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا. ومنه حديث أبى بكر رضى اللَّه عنه: إنى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية «٢» . وانتصابها على المصدر «٣»


(١) . أخرجه المحاملي. حدثنا زياد بن أيوب. حدثنا محمد بن يزيد عن نافع عن ابن عمر عن سليمان أن عبدة قال: قال عمر فذكره. وإسناده منقطع ورواه الجوهري في مشيخته والأصبهانى في الترغيب في قصة طويلة أولها عن سعيد بن المسيب قال «وضع عمر بن الخطاب للناس ثمان عشرة كلمة كلها حكمة» فذكر فيها ذلك وفي الاسناد ضعف وروى البيهقي في الشعب من وجه آخر عنه قال «كتب إلى بعض إخوانى من الصحابة أن ضع أمر أخيك على أحسنه- الحديث» موقوف أيضاً.
(٢) . أخرجه مالك بإسناد صحيح أتم منه.
(٣) . قال محمود: «نحلة منصوب على المصدر لأنها في معنى الإيتاء … الخ» قال أحمد: هذا الفصل بجملته حسن جداً، غير أن في جملة تذكير الضمير في منه على الصداق، ثم تنظيره ذلك بقوله «فأصدق نظراً» وذلك أن المراعى ثم الأصل، وهو عدم دخول الفاء والجزم وتقدير ما هو الأصل، وإعطاؤه حكم الموجود ليس ببدع، ولا كذلك إفراد الصداق المقدر، فانه ليس بأصل الكلام، بل الأصل الجمع: وأما الافراد فقد يأتى في مثله على سبيل الاختصار استغناء عن الجمع بالاضافة، ولا يرد أنهم قد راعوا ما ليس بأصل في قوله:
بدا لي أنى لست مدرك ما مضى … ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
لأن دخول الباء وإن لم يكن أصلا، إلا أنها قد توطنت بهذا الموضوع وكثر حلولها فيه، فصارت كأن الأصل دخولها في الخبر، واللَّه أعلم. والأمر في ذلك قريب [.....]