للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النصب على الحال مما طاب، تقديره: فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا. فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ (قلت) : الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال- وهو ألف درهم- درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت: فلم جاء العطف بالواو دون أو؟ قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك. ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة: أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية، وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع. وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. وتحريره: أنّ الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاءوا متفقين فيها، محظوراً عليهم ما وراء ذلك. وقرأ إبراهيم: وثلث وربع، على القصر من ثلاث ورباع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها فَواحِدَةً فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع رأسا. فإن الأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتم العدل فعليكم به. وقرئ (فَواحِدَةً) بالرفع على: فالمقنع واحدة، أو فكفت واحدة، أو فحسبكم واحدة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ سوّى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء، من غير حصر ولا توقيت عدد. ولعمري أنهنّ أقل تبعة وأقصر شغبا وأخف مؤنة من المهائر، لا عليك أكثرت منهن أم أقللت، عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل، عزلت عنهن أم لم تعزل. وقرأ ابن أبى عبلة. من ملكت ذلِكَ إشارة إلى اختيار الواحدة والتسرى أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا أقرب من أن لا تميلوا، من قولهم:

عال الميزان عولا، إذا مال. وميزان فلان عائل، وعال الحاكم في حكمه إذا جار. وروى أن أعرابيا حكم عليه حاكم فقال له: أتعول علىّ. وقد روت عائشة رضى اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «ألا تعولوا: أن لا تجوروا «١» » والذي يحكى عن الشافعي رحمه اللَّه أنه فسر (أَلَّا تَعُولُوا) أن لا تكثر عيالكم، فوجهه أن يجعل من قولك: عال الرجل عياله يعولهم، كقولهم: مانهم يمونهم، إذا أنفق عليهم، لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحال والرزق الطيب. وكلام مثله من أعلام العلم


(١) . أخرجه ابن حبان وابراهيم الحربي والطبري وابن أبى حاتم وغيرهم من رواية عمر بن محمد بن زيد عن هشام عن أبيه عنها، قال ابن أبى حاتم: الصواب موقوف.