للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإنّ نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين، ولذلك جيء بكلمة «أو» للتسوية بينهما في الوجوب، ثم أكد ذلك ورغب فيه بقوله آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ أى لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون، أمّن أوصى منهم أمّن لم يوص؟ يعنى أن من أوصى ببعض ماله فعرّضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا وأحضر جدوى ممن ترك الوصية، فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا، ذهابا إلى حقيقة الأمر، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريباً في الصورة، إلا أنه فان، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى. وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى. وقيل: إن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع. وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه، سأل أن يرفع إليه ابنه.

فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعا. وقيل: قد فرض اللَّه الفرائض على ما هو عنده حكمة. ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة. وقيل:

الأب يجب عليه «١» النفقة على الابن إذا احتاج، وكذلك الابن إذا كان محتاجا فهما في النفع بالنفقة لا يدرى أيهما أقرب نفعا. وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له، لأن هذه الجملة اعتراضية. ومن حق الاعتراضى أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه، والقول ما تقدم فَرِيضَةً نصبت نصب المصدر المؤكد، أى فرض ذلك فرضاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح خلقه حَكِيماً في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٢]]

وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)


(١) . قوله «عليه» : لعله «له» فتدبر اه مصححه