للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غمه ما نزل بكم، فأثابكم غما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله، ولم يثربكم على عصيانكم ومخالفتكم لأمره: وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر اللَّه، ولا على ما أصابكم من غلبة العدو. وأنزل اللَّه الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. وعن أبى طلحة رضى اللَّه عنه: غشينا النعاس ونحن في مصافنا، فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه. وما أحد إلا ويميل تحت حجفته «١» .

وعن ابن الزبير رضى اللَّه عنه: لقد رأيتنى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف، فأرسل اللَّه علينا النوم. واللَّه إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني «٢» : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. والأمنة: الأمن. وقرئ (أمنة) بسكون الميم، كأنها المرة من الأمن نُعاساً بدل من أمنة. ويجوز أن يكون هو المفعول، وأمنة حالا منه مقدمة عليه، كقولك: رأيت راكبا رجلا، أو مفعولا له بمعنى نعستم أمنة. ويجوز أن يكون حالا من المخاطبين، بمعنى: ذوى أمنة، أو على أنه جمع آمن، كبار وبررة يَغْشى قرئ بالياء والتاء ردا على النعاس، أو على الأمنة طائِفَةً مِنْكُمْ هم أهل الصدق واليقين وَطائِفَةٌ هم المنافقون قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ما بهم إلا هم أنفسهم لا هم الدين ولا هم الرسول صلى اللَّه عليه وسلم والمسلمين، أو قد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الهموم والأشجان، فهم في التشاكى والتباثّ غَيْرَ الْحَقِّ في حكم المصدر. ومعناه: يظنون باللَّه غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به.

وظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل منه. ويجوز أن يكون المعنى: يظنون باللَّه ظن الجاهلية. وغير الحق:

تأكيد ليظنون، كقولك: هذا القول غير ما تقول، وهذا القول لا قولك وظن الجاهلية، كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق: يريد الظن المختص بالملة الجاهلية. ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية، أى لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون باللَّه يَقُولُونَ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسألونه هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ معناه هل لنا معاشر المسلمين من أمر اللَّه نصيب قط، يعنون النصر والإظهار على العدو قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ولأوليائه المؤمنين وهو النصر والغلبة (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ، َ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)

يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ معناه: يقولون لك فيما يظهرون: هل لنا من الأمر من شيء سؤال المؤمنين المسترشدين وهم فيما يبطنون على النفاق، يقولون في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين


(١) . أخرجه البخاري من رواية قتادة عن أنس به. لكن ليس في آخره «وما أحد إلا ويميل تحت حجفته» وهو بتمامه عند الحاكم. وكذا أخرجه الطبري من رواية ثابت عن أنس رضى اللَّه عنه.
(٢) . أخرجه ابن إسحاق في المغازي. حدثني يحيى بن عباد بن عبيد اللَّه بن الزبير عن أبيه. عن عبيد اللَّه بن الزبير عن أبيه به. وأخرجه إسحاق والبزار والطبري وابن أبى حاتم وأبو نعيم والبيهقي. كلهم من طريقه.