للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خيرها ومنافعها، أى: غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم: عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد. وقادِرِينَ من عكس الكلام للتهكم، أى: قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين، وعلى حرد ليس بصلة قادرين، وقيل: الحرد بمعنى الحرد.

وقرئ: على حرد، أى لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض، كقوله تعالى يَتَلاوَمُونَ وقيل: الحرد القصد والسرعة، يقال: حردت حردك. وقال:

أقبل سيل جاء من أمر الله … يحرد حرد الجنّة المغلّه «١»

وقطا حراد: سراع، يعنى: وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط، قادرين عند أنفسهم، يقولون: نحن نقدر على صرامها وزى «٢» منفعتها عن المساكين. وقيل حَرْدٍ علم للجنة، أى غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم. أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان قالُوا في بديهة وصولهم إِنَّا لَضَالُّونَ أى ضللنا جنتنا، وما هي بها لما رأوا من هلاكها، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا أَوْسَطُهُمْ أعدلهم وخيرهم، من قولهم: هو من سطة قومه، وأعطنى من سطات مالك. ومنه قوله تعالى أُمَّةً وَسَطاً. لَوْلا تُسَبِّحُونَ لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، كأن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك: اذكروا الله وانتقامه من المجرمين، وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم، وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة، فعصوه فعيرهم. والدليل عليه قولهم سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة، ولكن بعد خراب البصرة. وقيل: المراد بالتسبيح. الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأنّ الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم. وعن الحسن: هو الصلاة، كأنهم كانوا يتوانون في الصلاة، وإلا لنهتهم عن الفحشاء والمنكر، ولكانت لهم لطفا في أن يستثنوا ولا يحرموا سُبْحانَ رَبِّنا سبحوا الله ونزهوه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضا، لأنّ منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر


(١) . يصف سيلا بالكثرة، ولذلك قال: من عند الله. ويروى: من أمر الله، وحذفت الألف قبل الهاء من لفظ الجلالة لأنه جائز في الوقف. وحرد يحرد من باب ضرب، بمعنى قصد وأسرع، أى: يسرع إسراع الجنة أى البستان المغلة كثير الغلة والخير، ومعنى إسراع الجنة: ظهور خيرها قبل غيرها في زمن يسير، واختارها لأنها تنشأ عن السيل. [.....]
(٢) . قوله «وزى منفعتها» في الصحاح: تقول: زوى فلان المال عن وارثه زيا. (ع)