للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعرج، لمن مشى مشية العرجان من غير عرج. قال الحطيئة:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره «١»

أى: تنظر إليها نظر العشىّ لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء. وهو بين في قوله حاتم:

أعشو إذا ما جارتى برزت … حتّى يوارى جارتى الخدر «٢»


(١) .
كسوب ومتلاف إذا ما سألته … تهلل واهتز اهتزاز المهند
وذاك امرؤ إن يعطك اليوم نائلا … بكفيه لم يمنعك من نائل الغد
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره … تجد خير نار عندها خير موقد
للحطيئة، يقول: هو كثير الكسب وكثير الإتلاف، وبينهما طباق التضاد: إذا سألته أجابك بسرعة وطلاقة وجه وهو المراد بقوله: تهلل واهتز كاهتزاز السيف المطلق من حديد الهند، إذا أعطاك اليوم عطاء بكفيه معا كناية عن كثرة العطاء، وسألته في غد أعطاك أيضا. وعشى يعشى كرضى يرضى: إذا كان ببصره آفة. وعشى يعشو: إذا تعاشى بغير آفة. والمعنى: منى تأته على هيئة الأعشى- مجاز عن إظهار الفاقة- تجده أكرم الناس، عبر عنه بذلك على طريق الكناية.
(٢) .
ناري ونار الجار واحدة … وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرني جار أجاوره … ألا يكون لبابه ستر
أعشو إذا ما جارتى برزت … حتى يوارى جارتى الخدر
لحاتم الطائي: وعشى يعشى كرضى يرضى: صار لا يبصر ليلا، وعشا يعشو كدعا يدعو: إذا نظر كنظر الأعشى.
يقول: إن ناري هي نار جارى، وتنزل قدرى إليه ليأكل منها قبلي أو ناري ونار جارى واحدة في الزمن والقوة ومع ذلك تنزل قدره إليه قبلي ليأكلها سريعا خوف اطلاع أحد عليه. لكن يبعد هذا أن المقام ليس لذم الجار بل للمدح. ثم هذا كناية عن شدة كرمه على غيره، ثم وصف نفسه بالعفة بقوله: ما ضرني جار من جيراني بمسبة ولا غيرها من أن لا يكون لبابه حجاب يستر أهله، فانى أتغافل وأغض بصرى إذا خرجت جارتى، حتى يسترها بينها. وأتى بالظاهر موضع المضمر ليفيد أنه ينبغي مراعاة حق الجوار. والاحتمال الأول أقعد، لأن معناه أنه يبره ويعف عن محارمه. وأما الثاني ففيه ذم جاره، وهو لا يلائم بعده.