للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوسوسة: الصوت الخفي. ومنها: وسواس الحلي. ووسوسة النفس: ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس. والباء مثلها في قولك: صوت بكذا وهمس به. ويجوز أن تكون للتعدية والضمير للإنسان، أى: ما تجعله موسوسا، وما مصدرية، لأنهم يقولون:

حدّث نفسه بكذا، كما يقولون: حدثته به نفسه. قال:

وأكذب النّفس إذا حدّثتها «١»

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مجاز، والمراد: قرب علمه منه، وأنه يتعلق بمعلومه منه ومن أحواله تعلقا لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال: الله في كل مكان، وقد جل عن الأمكنة. وحبل الوريد: مثل في فرط القرب، كقولهم: هو منى مقعد القابلة ومعقد الإزار. وقال ذو الرمة:

والموت أدنى لي من الوريد «٢»

والحبل: العرق، شبه بواحد الحبال. ألا ترى إلى قوله:


(١) .
وأكذب النفس إذا حدثها … إن صدق النفس يزرى بالأمل
غير أن لا تكذبنها في التقى … واخزها بالبر لله الأجل
للبيد بن ربيعة، وسئل بشار: أى بيت قالته العرب أشعر؟ فقال تفضيل بيت واحد على الشعر كله غير سديد، ولكنه أحسن لبيد في قوله: وأكذب النفس، يقال: كذبه وصدقه مخففا ومشددا، بمعنى. وما هنا من الأول للوزن، أى: لا تصدقها إذا حدثتك بأمر وحدثتها فيه، لأنها مثبطة عن نيل الفضائل. طامحة إلى الرذائل، وهذا معنى «إن صدق النفس» أى: تصديقها، يزرى بالأمل. يقال: زراه، إذا عابه. وأزرى به: إذا أوقع به العيب، غير أنه الحال والشأن لا تكذبها في تحديثها إياك بالتقى، والخوف من الله، فان مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. ويجوز أنه ضمير المخاطب، ولا ناهية، وإجراء الكلام على الاستثناء يحتاج إلى تكلف في بيان المستثنى والمستثنى منه، ويمكن إجراؤه على الاستدراك، لكن نصب «غير» يحتاج إلى الحمل على الاستثناء» ويحتمل أن تكون «أن» مصدرية «ولا» نافية أو زائدة، لكن تأكيد الفعل بالنون بعد النهى كثير، وبعد النفي قليل، ومع الإثبات في هذا شاذ أو ضرورة، ولا بد من إجراء الكلام بهذا الوجه على الاستثناء معنى ولفظا.
وقد قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري باحتمال النهي والزيادة. وبعضهم باحتمال النفي في قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت في الحج: «فأقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» وخزاه يخزوه: قهره وغلبه، أى: واقهرها بالخير لله الأجل الأعظم، وكأن في البر قهرا لها لمشقته عليها عادة.
(٢) .
هل أغدون في عيشة رغيد … والموت أدنى لي من الوريد
لذي الرمة. والاستفهام إنكارى، أى: لا أكون في عيشة واسعة والحال أن الموت أقرب إلىّ من الوريد.
وروى: أوفى. والمعنى واحد. والوريدان: عرقان في مقدم صفحتي العتق، سميا بذلك لأنهما يردان من الرأس.
ولأن الروح تردهما. وقال: عيشة رغيد، كقوله الله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ وإن كان قليلا في فعيل بمعنى فاعل.