للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأعْتَبُوا بِالصَّيْلَمِ «١»

والصالحة نحو الحسنة في جريها مجرى الاسم. قال الحطيتة:

كيْفَ الهِجَاءُ وما تَنْفَكُّ صَالِحَةٌ … مِنْ آلِ لَأْمٍ بظهْرِ الغَيْبِ تَأْتِينِى «٢»

والصالحات: كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنة، واللام للجنس.

فإن قلت: أى فرق بين لام الجنس داخلة على المفرد، وبينها داخلة على المجموع؟ قلت: إذا دخلت على المفرد كان صالحا لأن يراد به الجنس إلى أن يحاط به، وأن يراد به بعضه إلى الواحد منه. وإذا دخلت على المجموع، صلح أن يراد به جميع الجنس، وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد منه لأن وزانه في تناول الجمعية في الجنس وزان المفرد في تناول الجنسية، والجمعية في جمل الجنس لا في وحدانه. فإن قلت: فما المراد بهذا المجموع مع اللام؟ قلت:

الجملة من الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف.

والجنة: البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه. قال زهير

تَسقِى جَنَّةً سُحُقَا «٣»


(١) .
غضبت تميم أن نقتل عامراً … يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
لبشر بن أبى حازم الأسدى. وتميم، وعامر: قبيلتان. وهل: استفهام إنكارى. أى ليس المجرب للأمور مثلهما كمن لم يجربها. ويجوز أنه أمره بالسؤال لأن الذي يسأل ويعلم ليس كمن لم يعلم. وأن نقتل: أى من أن نقتل.
وروى: تقتل عامر، بالباء للمجهول. والنسار اسم ماء لبنى عامر، أى غضبت علينا تميم من قتل حلفائهم فكأنها عتبت علينا لضعفها. فأعتبناهم، أى أزلنا عتابهم بالصيلم: وهو السيف الكثير القطع، من صلمه إذا قطعه. وشبه إجابتهم بالمحاربة بالسيف باجابة من يزيل العتاب على سبيل التصريحية التهكمية. لأن الأول مكروه والثاني محبوب.
(٢) . للحطيئة واسمه جرول بن أوس بن حومة بن مخذوم بن مالك الغطفاني، حين وفدت العرب على النعمان بن المنذر فأحضر حللا عظيمة وقال: إنى ملبسها غداً لمن شئت، فلما كان الغد تخلف ابن سعدى خوف إلباسها غيره وهو حاضر فطلبه الملك وألبسه الحلل، فحسدته سادات العرب من قومه، وضمنوا للحطيئة مائة بعير لو هجاه، فقال: كيف الهجاء له، والحال أن لا تنفك فعلة صالحة تأتينى من آل لأم حال كوني ملتبسا بظهر الغيب، أو حال كونهم ملتبسين بظهر الغيب. وأقحم الظهر لأن الغائب كأنه وراء الظهر، أو لتقوية الغيب، لأنهم إذا أرادوا تقوية شيء أسندوا له الظهر لقوته، وكثيراً ما يجرون الصفة مجرى الاسم، إما لعدم الاحتياج إلى ذكره كما في صالحة، أو لأنها كافية في تعيين الموصوف إن احتيج إليه.
(٣) .
إن الخليط أجدوا البين فافترقا … وعلق القلب من أسماء ما علقا
وفارقتك برهن لا فكاك له … يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
كأن عينى في غربي مقتلة … من النواضح تسقى جنة سحقا
لزهير بن أبى سلمى. والخليط المعاشر. والبين: الانفصال والبعد، وأسماء: اسم محبوبته. وأصله من الوسامة وهي علامة الحسن. وقيل أصله جمع اسم. وعلق: مبنى للمجهول. والقلب: نائب فاعل. وما علق- بالتخفيف-:
مفعوله، أى ما تعلق به منها وهو الحب والتحسر والتحزن على سفرها. ولم يعينه دلالة على التكثير والتهويل ولما اشتغل قلبه بها، فكأنها أخذته معها ولذلك ادعى أنها أخذته رهنا على سبيل الاستعارة المصرحة، ورشحها بقوله:
لا فكاك له: وغلق الرهن- بالكسر-: إذا امتلكه الدائن ويأس صاحبه من رجوعه إليه، ثم قال: كأن عينى من شدة البكاء وكثرة الدموع عينان في دلوين عظيمتين ممتلئتين ماء، تحملهما ناقة مقتلة مذللة معتادة على العمل من الإبل النواضح التي يستقى عليها، تسقى تلك الناقة جنة «سحقا» بضمتين: جمع سحوق، أى نخلا طوالا جهة السماء، أو بعيدة عن محل الماء، فهي دائمة ذاهبة آئبة. ولقد خاطب نفسه أولا كأنه يخبرها بسفر أسماء لفرط جزعه، ثم التفت كأنه يشتكى للناس في قوله: كأن عينى.