والتعريض كما علمت في كثير من مواضعه أبلغ وأوقع من التصريح، وهذا منه، والذي يدل على أن الكلامين لهما وأن عاقبة أمر شعيب لم تذكر، استغناء عنها بذكر عاقبتهم، كما بيناه في الآية التي في أول هذه السورة، وهي قوله تعالى قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ألا تراه كيف اكتفى بذلك عن أن يقول: ومن هو على خلاف ذلك، وكذلك قوله في سورة الأنعام قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ فذكر هناك أيضا إحدى العاقبتين، لأن المراد بهذه العاقبة عاقبة الخير، ومتى أطلقت فلا يعنى إلا ذلك، كقوله وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ واستغنى عن ذكر مقابلتها، والله أعلم. فتأمل هذا الفصل فانه تحفة لمن همه نظم درر الكتاب العزيز، وضم بعضها إلى بعض، والله الموفق للصواب.