(٢) . عاد كلامه. قال: «والثاني أن يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فينقد» قال أحمد: وهذا بعينه محتمل لو كانت هي التابعة وهو فار منها فانقد قميصه في إسراعه للفرار، والله أعلم. فليس كلام الزمخشري في هذا الفصل بذاك. والحق- والله ولى التوفيق- أن الشاهد المذكور إن كان صبيا في المهد كما ورد في بعض الحديث، فالآية في مجرد كلامه قبل أوانه، حتى لو قال: صدق يوسف وكذبت، لكفى برهانا على صدقه عليه السلام، كما كان مجرد إخبار عيسى عليه السلام في المهد برهانا على صدق مريم، فلا تبقى المناسبة بين الأمارة المنصوبة وما رتب عليها، لأن العمدة في الدلالة نصبها لا مناسبتها، وإن كان الشاهد بعض أهلها كان في الدار فبصر بها من حيث لا تشعر، فأغضبه الله ليوسف بالشهادة له وإقامة الحق كما ذكر الزمخشري. فهذا والله أعلم كان من حقه أن يصرح بما رأى فيصدق يوسف ويكذبها، ولكنه أراد أن لا يكون هو الفاضح لها، ووثق بأن انقطاع قميصه إنما كان من دبر فنصبه أمارة لصدقه وكذبها، ثم ذكر القسم الآخر وهو قده من قبل، على علم بأنه لم ينقد من قبل حتى ينفى عن نفسه التهمة في الشهادة وقصد الفضيحة، وينصفهما جميعا فيذكر أمارة على صدقها المعلوم نفيه، كما ذكر أمارة على صدقه المعلوم وجوده، ومن ثم قدم أمارة صدقها على أمارة صدقه في الذكر، إزاحة للتهمة ووثوقا بأن الأمارة الثانية هي الواقعة، فلا يضره تأخيرها. وهذه اللطيفة بعينها- والله أعلم- هو التي راعاها مؤمن آل فرعون في قوله وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ فقدم قسم الكذب على قسم الصدق إزاحة التهمة التي خشي أن تنطرق إليه في حق موسى عليه السلام، ووثوقا بأن القسم الثاني وهو صدقه هو الواقع. فلا يضره تأخيره في الذكر لهذه الفائدة. ومن ثم قال بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ولم يقل: كل ما يعدكم تعريضا بأنه معهم عليه، وأنه حريص على أن بخسه حقه، وينحو هذا النحو تأخير يوسف عليه السلام لكشف وعاء أخيه، لأنه لو بدأ به لفطنوا أنه هو الذي أمر بوضع السقاية فيه، والله أعلم. فقصد هذا الشاهد الأمارة الآخرة فقط. والمناسبة فيها محققة. وأما الأمارة الأولى فليست مقصودة، وإنما ذكرها توطئة كما تقدم. فلم يلتمس لها مناسبة جلية صحيحة على اليقين، وإنما هي كالفرض والتقدير والله أعلم. وكأنه قال: إن كان قميصه قدمن قبل فهي صادقة. لكنه يعلم انتفاء الأمارة المذكورة، فعلق صدقها على محال وهو وجود قده من قبل حالة، فهذا التقرير هو الصواب والحق اللباب، والله الموفق. وأما إن كان الشاهد الحكيم الذي كان الملك يرجع إليه ويستشيره كما ورد في بعض التفاسير، فلا بد من التماس المناسبة في الطرفين لأنها عهدة الحكيم. وأقرب وجه في المناسبة أن قد القميص من دبر دليل على إدباره عنها، وقده من قبل دليل على إقباله عليها بوجهه، والله أعلم.