(٢) . عاد كلامه. قال محمود: «فان قلت لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ الخ» قال أحمد: وهذه أيضاً من دفائنه الاعتزالية في جحد القضاء والقدر، واعتقاد أن الأمر أنف، لأنهم لا يعتقدون أن الله تعالى مريد لأكثر أفعال عبيده من معصية ومباح ونحوهما ولا مقدر لها على العبيد، بمعنى أنه مريد ولكنه عالم بما سيفعلونه على خلاف مشيئته وإرادته. فالتقدير عندهم هو العلم لا الارادة، ثم استدل على أن التقدير هو العلم بتقدير فعله عن العمل، وذلك من خواص فعل العلم وأخواته، فانظر إلى بعد غوره ودقة فطنته في ابتغاء آية يلفقها ويعاند بها البراهين الواضح فلقها، وفي كلامه شاهد على رده، فان التقدير عنده مضمن معنى العلم، ومن شأن الفعل المضمن معنى آخر: أن يبقى على معناه الأصلى، مضافا إليه المعنى الطارئ فيفيدهما جميعاً، فالتقدير إذاً كما أفاد العلم الطارئ يفيد الارادة أصلا ووضعاً. والله أعلم، على أن من الناس من جعل قوله تعالى قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ من كلامه تعالى غير محكي عن الملائكة، وهو الظاهر، فان الذي يجعله من قول الملائكة يحتاج في نسبتهم التقدير إلى أنفسهم إلى تأويل، ويجعله من باب قول خواص الملك: دبرنا كذا، وأمرنا بكذا، وإنما يعنون دبر الملك وأمر، وبذلك أولة الزمخشري. وإن كان أصله لا يحتاج معه إلى التأويل، لأنه إذا جعل قدرنا بمعنى علمنا إنها لمن الغابرين، فلا غرو في علم الملائكة ذلك باخبار الله تعالى إياهم به، وإنما يحتاج إلى التأويل: من جعل قدرنا بمعنى أردنا وقضينا وجعله من قول الملائكة، والله أعلم.