للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسابع: الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس. واسم مدينتهم: أفسوس.

واسم كلبهم: قطمير. فإن قلت: لم جاء بسين الاستقبال في الأوّل دون الآخرين؟ قلت: فيه وجهان: أن تدخل الآخرين في حكم السين، كما تقول: قد أكرم وأنعم، تريد معنى التوقع في الفعلين جميعا، وأن تريد بيفعل معنى الاستقبال الذي هو صالح له رَجْماً بِالْغَيْبِ رميا بالخبر الخفي وإتيانا به كقوله وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ أى يأتون به. أو وضع الرجم موضع الظنّ، فكأنه قيل: ظنا بالغيب، لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظنّ مكان قولهم ظنّ، حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين. ألا ترى إلى قول زهير:

وما هو عنها بالحديث المرجّم «١»

أى المظنون. وقرئ: ثلاتّ رابعهم، بإدغام الثاء في تاء التأنيث. وثَلاثَةٌ خبر مبتدإ محذوف، أى: هم ثلاثة. وكذلك خَمْسَةٌ وسَبْعَةٌ ورابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ جملة من مبتدإ وخبر واقعة صفة لثلاثة، وكذلك سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة، ولم دخلت عليها دون الأوّلين «٢» ؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الواقعة حال عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر. ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت


(١) .
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم … وما هو عنها بالحديث المرجم
لزهير من معلقته، ينهى عبسا وذبيان عن القتال. يقول: ليست الحرب إلا التي علمتموها وجربتموها، وشبهها بمطعوم مكروه على طريق الكناية والذوق تخييل، وما هو: أى الحديث عن الحرب، ولما كان الضمير عائدا على المصدر في المعنى صح تعلق المجرور به، ويبعد تعلقه بما بعده. والترجيم: الرمي بالرجام وهي الحجارة الصغار، استعير لالقاء الكلام بلا روية ولا فكر على طريق التصريحية.
(٢) . قال محمود: إن قلت «لم دخلت الواو في الجملة الأخيرة … الخ» ؟ قال أحمد: وهو الصواب، لا كمن يقول: إنها واو الثمانية فان ذلك أمر لا يستقر لمثبته قدم، ويعدون مع هذه الواو في قوله في الجنة وَفُتِحَتْ أَبْوابُها بخلاف أبواب النار، فانه قال فيها فُتِحَتْ أَبْوابُها قالوا: لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة.
وهب أن في اللغة واوا تصحب الثمانية فتختص بها، فأين ذكر العدد في أبواب الجنة حتى ينتهى إلى الثامن فتصحبه الواو، وربما عدوا من ذلك وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو الثامن من قوله التَّائِبُونَ وهذا أيضا مردود بأن الواو إنما اقترنت بهذه الصفة، لتربط بينها وبين الأولى التي هي الآمرون بالمعروف، لما بينهما من التناسب والربط.
ألا ترى اقترانهما في جميع مصادرهما ومواردهما، كقوله يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وكقوله وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وربما عد بعضهم من ذلك الواو في قوله ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً لأنه وجدها مع الثامن، وهذا غلط فاحش، فان هذه واو التقسيم، ولو ذهبت تحذفها فتقول: ثيبات أبكارا، لم يسند الكلام، فقد وضح أن الواو في جميع هذه المواضع المعدودة واردة لغير ما زعمه هؤلاء، والله الموفق.