لِفَتاهُ لعبده. وفي الحديث: ليقل أحدكم فتاي وفتأتي، ولا يقل: عبدى «١» وأمتى.
وقيل: هو يوشع ابن نون. وإنما قيل: فتاه، لأنه كان يخدمه ويتبعه. وقيل: كان يأخذ منه العلم. فإن قلت: لا أَبْرَحُ إن كان بمعنى لا أزول- من برح المكان- فقد دل على الإقامة لا على السفر. وإن كان بمعنى: لا أزال، فلا بد من الخبر. قلت: هو بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر، لأنّ الحال والكلام معا يدلان عليه. أمّا الحال فلأنها كانت حال سفر. وأمّا الكلام فلأن قوله حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ غاية مضروبة تستدعى ما هي غاية له، فلا بد أن يكون المعنى: لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين. ووجه آخر: وهو أن يكون المعنى: لا يبرح مسيري حتى أبلغ، على أن حتى أبلغ هو الخبر، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم، وهو وجه لطيف. ويجوز أن يكون.
المعنى: لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى: ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ، كما تقول: لا أبرح المكان. ومجمع البحرين: المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام، وهو ملتقى بحرى فارس والروم مما يلي المشرق. وقيل: طنجة. وقيل: إفريقية. ومن بدع التفاسير: أن البحرين موسى والخضر، لأنهما كانا بحرين في العلم. وقرئ مَجْمَعَ بكسر الميم، وهي في الشذوذ من يفعل، كالمشرق والمطلع من يفعل أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أو أسير زمانا طويلا.
والحقب ثمانون سنة. وروى أنه لما ظهر موسى على مصر مع بنى إسرائيل واستقرّوا بها بعد هلاك القبط، أمره الله أن يذكر قومه النعمة، فقام فيهم خطيبا فذكر نعمة الله وقال: إنه اصطفى نبيكم وكلمه. فقالوا له: قد علمنا هذا، فأى الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إلى الله، فأوحى إليه: بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، وكان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى عليه السلام، وكان على مقدمة ذى القرنين الأكبر، وبقي إلى أيام موسى. وقيل: إنّ موسى سأل ربه: أىّ عبادك أحب إليك؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأىّ عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضى بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأىّ عبادك
(١) . متفق عليه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه به وأتم منه.