للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالوسمة «١» في حاجبيه وشاربيه، والغمرة في خديه، والكف والقدم موقعا الخاتم والفتخة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهنّ، وهذا معنى قوله إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها يعنى إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور، وإنما سومح في الزينة الخفية. أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم، ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك. كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة، فأمرن بأن يسدلنها من قدامهنّ حتى يغطينها، ويجوز أن يراد بالجيوب: الصدور تسمية بما يليها ويلابسها. ومنه قولهم: ناصح الجيب. وقولك: ضربت بخمارها على جيبها، كقولك: ضربت بيدي على الحائط، إذا وضعتها عليه. وعن عائشة رضى الله عنها: ما رأيت نساء خيرا من نساء الأنصار، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها «٢» المرحل فصدعت منه صدعة، فاختمرن، فأصبحن كأن على رءوسهن الغربان»

. وقرئ: جيوبهن، بكسر الجيم لأجل الياء. وكذلك بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ قيل في نسائهن: هنّ المؤمنات، لأنه ليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية. عن ابن عباس رضى الله عنهما. والظاهر أنه عنى بنسائهن وما ملكت أيمانهن: من في صحبتهن وخدمتهنّ من الحرائر والإماء والنساء، كلهنّ سواء في حلّ نظر بعضهن إلى بعض. وقيل: ما ملكت أيمانهنّ هم الذكور والإناث جميعا. وعن عائشة رضى الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها، وقالت لذكوان: إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت


(١) . قوله «والخضاب بالوسمة» في الصحاح: الوسمة- بكسر السين- العظلم يختضب به، وتسكينها لغة. وفيه «العظلم» نبت يصبغ به. وفيه أيضا «الغمرة» طلاء يتخذ من الورس. (ع)
(٢) . قوله «قامت كل واحدة منهن إلى مرطها» في الصحاح «المرط» كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به.
وفيه أيضا «مرط مرحل» إزار خز فيه علم. (ع)
(٣) . أخرجه ابن أبى حاتم من طريق مسلم بن خالد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية عنها وأتم منه.
وأخرجه ابن مردويه من طريق داود بن عبد الرحمن ومن طريق روح بن القاسم. كلاهما عن ابن خثيم. وأخرجه أبو داود مختصرا من وجه آخر عن قرة عن الزهري عن عروة عن عائشة. ونقله البخاري قال قال أحمد بن شبيب: حدثنا أبى عن يونس عن الزهري به: قلت ووصله ابن مردويه من طريق أحمد بن شبيب.