ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الموضوعات، لكن له طريق أخرى. أخرجه على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية عن الحسن بن واقد الحنفي. قال: أظنه من حديث بهز بن حكيم فذكره وهو متصل. (٢) . أخرجه على بن معبد في الطاعة والمعصية حدثنا عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتى على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق، ومن حجر إلى حجر، فإذا كان ذلك حلت العزوبة. قيل كيف تحل العزوبة- فذكر حديثا طويلا» وصله الخطابي في العزلة من طريق السعرى بن يحيى عن الحسن عن أبى الأحوص عن عبد الله. وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو ضعيف. (٣) . عاد كلامه. قال: «ينبغي أن تكون شريطة الحكمة والمصلحة غير منسية: واستشهد على ذلك بقوله وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ قال أحمد: جنوحه للمعتقد الفاسد يمنع عليه الصواب، فان معتقده وجوب رعاية المصالح على الله تعالى، فمن ثم شرط الحكمة والمصلحة محجرا واسعا من فضل الله تعالى، ثم استشهد على ذلك بما يشهد عليه لا له، فان قوله تعالى في الآية الأخرى إِنْ شاءَ يقتضى أن وقوع الغنى مشروط بالمشيئة خاصة، وهذا معتقد أهل الحق، فطاح اشتراط الحكمة عن محل الاستدلال، تعالى عن الإيجاب رب الأرباب، لكن ينبغي التنبه لنكتة تدعو الحاجة إلى التنبيه عليها، ليعم نفعها ويعظم وقعها إن شاء الله. وذلك أنا إذا بنينا على أن ثم شرطا محذوفا، لا بد من تقديره ضرورة صدق الخبر، إذ لو اعتقدنا أن الله تعالى يغنى كل متزوج على الإطلاق مع أنا نشاهد كثيرا ممن استمر به الفقر بعد النكاح بل زاد، للزم خلف الوعد- تقدس الله وتعالى عن ذلك- فقد ثبت الاضطرار إلى تقدير شرط للجمع بين الوعد والواقع، فالقدرية يقولون: المراد إن اقتضت الحكمة ذلك، فكل من لم يغنه الله بأثر التزوج فهو ممن لم تقتض الحكمة إغناءه. وقد أبطلنا أن يكون هذا الشرط هو المقدر، وحتمنا أن المقدر شرط المشيئة كما ظهر في الآية الأخرى، وحينئذ فكل من يستغن بالنكاح فذلك لأن الله تعالى لم يشأ غناه. فلقائل أن يقول: إذا كانت المشيئة هي المعتبرة في غنى المتزوج، فهي أيضا المعتبرة في غنى الأعزب، فما وجه ربط وعد الغنى بالنكاح، مع أن حال الناكح منقسم في الغنى على حسب المشيئة، فمن مستغن به، ومن فقير كما أن حال غير الناكح كذلك منقسم، وليس هذا كاقرار شرط المشيئة في الغفران للموحد العاصي، فان الوعد ثم له ارتباط بالتوحيد. وإن ارتبط بالمشيئة أيضا، من حيث أن غير الموحد لا يغفر الله له حتما، ولا تستطيع أن تقول: وغير الناكح لا يغنيه الله حتما، لأن الواقع يأباه. فالجواب- وبالله التوفيق-: أن فائدة ربطه الغنى بالنكاح: أنه قد ركز في الطباع السكون إلى الأسباب والاعتماد عليها، والغفلة عن المسبب جل وعلا، حتى غلب الوهم على العقل، فخيل أن كثرة العيال سبب يوجب الفقر حتما، وعدمها سبب يوجب توفير المال جزما، وإن كان واحد من هذين السببين غير مؤثر فيما ربطه الوهم به. فأريد قلع هذا الخيال المتمكن من الطبع بالايذان بأن الله تعالى قد يوفر المال وينميه، مع كثرة العيال التي هي سبب في الأوهام لنفاد المال، وقد يقدر الاملاق مع عدمه الذي هو سبب في الإكثار عند الأوهام والواقع يشهد بذلك فلا مراء، فدل ذلك قطعا على أن الأسباب التي يتوهمها البشر مرتبطات بمسبباتها ارتباطا لا ينفك ليست على ما يزعمونه، وإنما يقدر الغنى والفقر مسبب الأسباب، غير موقوف، تقدير ذاك إلا على مشيئة خاصة، وحينئذ لا ينفر العاقل المتيقظ من النكاح، لأنه استقر عنده أن لا أثر له في الإقتار، وأن الله تعالى لا يمنعه ذلك من إغنائه ولا يؤثر أيضا الخلو عن النكاح لأجل التوفير، لأنه قد استقر أن لا أثر له فيه، وأن الله تعالى لا يمنعه مانع أن يقتر عليه، وأن العبد إن تعاطى سببا فلا يكن ناظرا إليه ولكن إلى مشيئة الله تعالى وتقدس، فمعنى قوله حينئذ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ.... الآية أن النكاح لا يمنعهم الغنى من فضل الله، فعبر عن نفى كونه مانعا من الغنى بوجوده معه، ولا تبطل المانعية، لا وجود ما يتوهم ممنوعا مع ما يتوهم مانعا ولو في صورة من الصور على أثر ذلك، فمن هذا الوادي أمثال قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ فان ظاهر الأمر طلب الانتشار عند انقضاء الصلاة، وليس ذلك بمراد حقيقة، ولكن الغرض تحقيق زوال المانع وهو الصلاة، وبيان أن الصلاة متى قضيت فلا مانع، فعبر عن نفى المانع بالانتشار بما يفهم تقاضى الانتشار، مبالغة في تحقيق المعنى عند السامع والله أعلم، فتأمل هذا الفصل واتخذه عضدا حيث الحاجة إليه.