للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به عليه؟ قلت. نعم. وكذلك إذا لم تف الصدقة بجميع البدل وعجز عن أداء الباقي طاب للمولى ما أخذه، لأنه لم يأخذه بسبب الصدقة، ولكن بسبب عقد المكاتبة كمن اشترى الصدقة من الفقير أو ورثها أو وهبت له، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة «هو لها صدقة ولنا هدية» «١» وعند الشافعي رضى الله عنه: هو إيجاب على الموالي أن يحطوا لهم من مال الكتابة. وإن لم يفعلوا أجبروا. وعن على رضى الله عنه: يحط له الربع. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: يرضخ له من كتابته شيئا. وعن عمر رضى الله عنه أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أمية، وهو أوّل عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأوّل نجم فدفعه إليه عمر رضى الله عنه وقال:

استعن به على مكاتبتك فقال: لو أخرته إلى آخر نجم؟ قال: أخاف أن لا أدرك ذلك «٢» . وهذا عند أبى حنيفة رضى الله عنه على وجه الندب وقال: إنه عقد معاوضة فلا يجبر على الحطيطة كالبيع. وقيل: معنى وَآتُوهُمْ: أسلفوهم. وقيل: أنفقوا عليهم بعد أن يؤدوا ويعتقوا.

وهذا كله مستحب. وروى أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح: سأل مولاه أن يكاتبه فأبى، فنزلت. كانت إماء أهل الجاهلية يساعين على مواليهن، وكان لعبد الله بن أبىّ رأس النفاق ست جوار: معاذة، ومسيكة، وأميمة، وعمرة، وأروى، وقتيلة: يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»

. فنزلت. ويكنى بالفتى والفتاة: عن العبد والأمة. وفي الحديث: «ليقل أحدكم فتاي وفتأتي، ولا يقل عبدى وأمتى» «٤» والبغاء: مصدر البغي. فإن قلت: لم أقحم قوله إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً قلت: لأن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن، وآمر الطيعة الموانية للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها «٥» .


(١) . متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها في أثناء حديث في قصة بريرة وعتقها.
(٢) . أخرجه ابن أبى شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس إلا قوله «وهو أول عبد كوتب في الإسلام» ذكره في آخره من قول عكرمة. وزاد ثم قرأ وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ ورواه ابن أبى حاتم من طريق وكيع شيخ ابن أبى شيبة كذلك.
(٣) . أخرجه الثعلبي من طريق مقاتل بهذا وسنده إلى مقاتل في أول الكتاب وهو عند مسلم والبزار مختصر من طريق الأعمش عن أبى سفيان عن جابر. قال «كان لعبد الله بن أبىّ جارية يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة وكان يريدهما على الزنى … الحديث»
(٤) . تقدم في الكهف.
(٥) . قال محمود: «إن قلت: لم أقحم قوله إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً؟ قلت: لأن الإكراه لا يكون إلا إذا أردن تحصنا ولا يتصور إلا كذلك، إذ لولا ذلك لكن مطاوعات» ولم يجب بما بشفى العليل. وعند العبد الفقير إلى الله تعالى أن فائدة ذلك- والله أعلم: أن يبشع عند المخاطب الوقوع فيه، لكي يتيقظ أنه كان ينبغي له أن يأنف من هذه الرذيلة وإن لم يكن زاجر شرعي. ووجه التبشيع عليها: أن مضمون الآية النداء عليه بأن أمته خير منه، لأنها آثرت التحصن عن الفاحشة، وهو يأبى إلا إكراهها عليها. ولو أبرز مكنون هذا المعنى لم يقع الزاجر من النفس موقعه، وعسى هذه الآية تأخذ بالنفوس الدنية، فكيف بالنفوس العربية، والله الموفق.