للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على التمني. وقال عمار بصفين: «الآن ألاقى الأحبة محمداً وحزبه» «١» . وكان كل واحد من العشرة يحب الموت ويحنّ إليه. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودى» »

بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بما أسلفوا من موجبات النار من الكفر بمحمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم وبما جاء به، وتحريف كتاب اللَّه، وسائر أنواع الكفر والعصيان. وقوله وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً من المعجزات، لأنه إخبار بالغيب، وكان كما أخبر به، كقوله: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) فإن قلت: ما أدراك أنهم لم يتمنوا؟ قلت: لأنهم لو تمنوا لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام أكثر من الذرّ، وليس أحد منهم نقل ذلك. فإن قلت: التمني من أعمال القلوب وهو سرّ لا يطلع عليه أحد، فمن أين علمت أنهم لم يتمنوا؟ قلت: ليس التمني من أعمال القلوب، إنما هو قول الإنسان بلسانه: ليت لي كذا، فإذا قاله قالوا: تمنى، وليت: كلمة التمني، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمائر والقلوب ولو كان التمني بالقلوب وتمنوا لقالوا: قد تمنينا الموت في قلوبنا، ولم ينقل أنهم قالوا ذلك فإن قلت: لم يقولوه لأنهم علموا أنهم لا يصدّقون. قلت: كم حكى عنهم من أشياء قاولوا بها المسلمين من الافتراء على اللَّه وتحريف كتابه وغير ذلك مما علموا أنهم غير مصدقين فيه ولا محمل له إلا الكذب البحت ولم يبالوا، فكيف يمتنعون من أن يقولوا إنّ التمني من أفعال القلوب وقد فعلناه، مع احتمال أن يكونوا صادقين في قولهم وإخبارهم عن ضمائرهم، وكان الرجل يخبر عن نفسه بالإيمان فيصدّق مع احتمال أن يكون كاذبا لأنه أمر خافٍ لا سبيل إلى الاطلاع عليه وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ تهديد لهم وَلَتَجِدَنَّهُمْ هو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين في قولهم: وجدت زيداً


(١) . أخرجه الطبراني والبزار من رواية ربيعة بن ناجد قال قال لي عمار يوم صفين: «اليوم ألاقى الأحبة:
محمدا وحزبه» ورواه أبو نعيم في الحلية. من رواية أبى سنان قال «رأيت عمار بن ياسر يوم صفين دعا بشراب فأتى بقدح من لبن فشرب منه، ثم قال: صدق اللَّه ورسوله: اليوم ألاقى الأحبة: محمدا وحزبه»
(٢) . لم يخرجه. وقد أخرجه الطبري من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما موقوفا. وأخرج البيهقي في الدلائل من رواية الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما «أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لليهود «إن كنتم صادقين في مقالتكم فقولوا: اللهم أمتنا. فو الذي نفسي بيده، لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه ومات مكانه. قالوا: فأنزل اللَّه (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) وفي البخاري من رواية عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما فال قال أبو جهل «إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم «لو فعل لأخذته الملائكة- زاد الإسماعيلي-: عيانا. قال ابن عباس: ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا. ولو خرج الذين يباهلون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا» وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه مثله. وزاد بعد قوله «لماتوا» «ورأوا مقاعدهم من النار» . [.....]