للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَطْفالُ مِنْكُمُ أى من الأحرار دون المماليك الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد: الذين بلغوا الحلم من قبلهم، وهم الرجال. أو الذين ذكروا من قبلهم في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا الآية: والمعنى أنّ الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم خرجوا عن حدّ الطفولة بأن يحتلموا أو يبلغوا السنّ التي يحكم فيها عليهم بالبلوغ، وجب أن يفطموا عن تلك العادة ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كما الرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن: وهذا مما الناس منه في غفلة، وهو عندهم كالشريعة المنسوخة. وعن ابن عباس: آية لا يؤمن بها أكثر الناس: آية الإذن، وإنى لآمر جارتى أن تستأذن علىّ. وسأل عطاء: أأستأذن على أختى؟

قال. نعم وإن كانت في حجرك تمونها، وتلا هذه الاية. وعنه، ثلاث آيات جحدهنّ الناس:

الإذن كله. وقوله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فقال ناس: أعظمكم بيتا. وقوله وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ. وعن ابن مسعود. عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم. وعن الشعبي:

ليست منسوخة، فقيل له، إن الناس لا يعملون بها، فقال، الله المستعان. وعن سعيد بن جبير يقولون هي منسوخة، ولا والله ما هي منسوخة، ولكن الناس تهاونوا بها: فإن قلت ما السنّ التي يحكم فيها بالبلوغ؟ قلت: قال أبو حنيفة ثماني عشرة سنة في الغلام. وسبع عشرة في الجارية.

وعامة العلماء على خمس عشرة فيهما. وعن على رضى الله عنه أنه كان يعتبر القامة ويقدره بخمسة أشبار. وبه أخذ الفرزدق في قوله:

ما زال مذ عقدت يداه إزاره … فسما فأدرك خمسة الأشبار «١»


(١) .
ما زال مذ عقدت يداه إزاره … وسما فأدرك خمسة الأشبار
يدنى خوافق من خوافق تلتقي … في ظل معتبط الغبار مثار
للفرزدق: يرث ى يزيد بن المهلب. يقول: لا زال يحارب من حين عقدت يداه إزاره على نفسه كناية عن تمييزه فيتولى أمور نفسه، فمذ: ظرف زمان لاضافتها إلى الجملة، ولكنها تفيد معنى من الابتدائية أيضا، لأن المعنى:
ما زال يقتحم الحروب من حين بلغ أشده إلى أن مات. وإسناد العقد إلى اليد من باب الاسناد للآلة، لأنه عاقد بها. وسما: ارتفع فبلغت قامته مقدار خمسة الأشبار. قيل: المراد بها مقدار السيف، وذلك كناية عن بلوغه أشده. وقيل: المراد بها مقدار القبر، وإدراكها: كناية عن موته. أى: من حين تمييزه إلى حين موته يهيج الحروب وهو أبلغ في المعنى. وعطف «أدرك» بالفاء دلالة على قصر مدته وقرب موته. ويروى: فسما، بالفاء.
ويجوز أن يكون معناه: ارتفع قدره، فيكون قد حكى جميع حالاته. وقوله «يدنى» خبر ما زال، أى: يقرب رايات مضطربات إلى أخرى في الحرب. أو خيلا مضطربة إلى مثلها. والمراد أنه يقرب الكتائب بعضها إلى بعض حتى تلتقي كلها في ظل معتبط من الغبار، والمعتبط- بالعين المهملة-: اسم مفعول، أى: لم يقاتل فيه غيره قبله فيثيره من موضعه، بل هو الذي أثاره منه. أو أنه هو الذي أخرجه من الأرض الصلبة فلم يكن موجودا قبل.
ويروى بالغين المعجمة. أى: مكثر: والمعنى: أنه كان يزاد منه ويكثره. ويجوز أنه اسم مكان. ويروى:
معترك العجاج، وهو موضع المعركة. والعجاج: الغبار. ومثار: صفة معتبط إن لم يتعرف بالاضافة، ويجوز أن أصله: مثاره، بالاضافة للضمير، فحذف للضرورة. وفي إثبات الظل للغبار المعتبط المثار: دلالة على أنه متراكم حاجب ضوء الشمس عن المحاربين.