للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من كسبه، وإن ولده من كسبه «١» » ومعنى مِنْ بُيُوتِكُمْ من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم ولأنّ الولد أقرب ممن عدّد من القرابات، فإذا كان سبب الرخصة هو القرابة: كان الذي هو أقرب منهم أولى. فإن قلت: ما معنى أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ؟ قلت: أموال الرجل إذا كان له عليها قيم ووكيل يحفظها له: أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته. وملك المفاتح:

كونها في يده وحفظه. وقيل: بيوت المماليك، لأن مال العبد لمولاه. وقرئ: مفتاحه:

فإن قلت: فما معنى أَوْ صَدِيقِكُمْ؟ قلت: معناه: أو بيوت أصدقائكم. والصديق يكون واحدا وجمعا «٢» ، وكذلك الخليط والقطين والعدوّ. يحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون، فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال: هكذا وجدناهم، هكذا وجدناهم.

يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين رضى الله عنهم. وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ منه ما شاء، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك. وعن جعفر بن محمد الصادق رضى الله عنهما: من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الأنس والثفة والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: الصديق أكبر من الوالدين، إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمّهات. فقالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. وقالوا: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك، قام ذلك مقام الإذن الصريح، وربما سمج الاستئذان وثقل، كمن قدّم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً أى مجتمعين أو متفرّقين. نزلت في بنى ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل لرجل وحده فربما قعد منتظرا نهاره إلى الليل، فان لم يجد من يواكله أكل ضرورة. وقيل في قوم من الأنصار: إذا نزل بهم ضيف


(١) . أخرجه أصحاب السنن وعبد الرزاق وابن أبى شيبة وابن حبان والحاكم وأحمد وإسحاق والبزار وأبو يعلى كلهم من حديث عائشة بهذا. قال ابن القطان: يرويه عمارة بن عمير فقال إبراهيم عنه. عن عمته عن عائشة. وقال الحاكم: عن عمارة عن أمه عن عائشة وذكره الدارقطني في العلل والاختلاف فيه وأطال. وفي الباب عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال «أتى أعرابى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أبى يريد أن يحتاج مالى. قال: أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أموال أولادكم من كسبكم فكلوا هنيئا، رواه ابو داود وابن ماجة من طريق الحجاج بن أرطاة عن عمرو وحجاج مدلس وفيه ضعف.
(٢) . قال محمود: «الصديق يكون واحدا وجمعا والمراد هنا الجمع» قال أحمد: وقد قال الزمخشري: إن سر إفراده في قوله تعالى فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ دون الشافعين التنبيه على قلة الأصدقاء، ولا كذلك الشافعون، فان الإنسان قد يحمى له ويشفع في حقه من لا يعرفه فضلا عن أن يكون صديقا، ويحتمل في الآيتين- والله أعلم- أن يكون المراد به الجمع فلا كلام، ويحتمل أن يراد الافراد، فيكون سره ذلك، والله أعلم.