للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما ابتلى قوم طالوت بالنهر، (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) . وقرأ الحسن (على الملكين) بكسر اللام، على أنّ المنزل عليهما علم السحر كانا ملكين ببابل. وما يعلم الملكان أحدا حتى ينبهاه وينصحاه ويقولا له إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أى ابتلاء واختيار من اللَّه فَلا تَكْفُرْ فلا تتعلم معتقداً أنه حق فتكفر فَيَتَعَلَّمُونَ الضمير لما دلّ عليه من أحد.

أى فيتعلم الناس من الملكين ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أى علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين من حيلة وتمويه، كالنفث في العقد، ونحو ذلك مما يحدث اللَّه عنده الفرك والنشوز والخلاف «١» ابتلاء منه، لا أنّ السحر له في نفسه بدليل قوله تعالى:

وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لأنه ربما أحدث اللَّه عنده فعلا من أفعاله وربما لم يحدث وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ لأنهم يقصدون به الشر. وفيه أن اجتنابه أصلح كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجرّ إلى الغواية. ولقد علم هؤلاء اليهود أن من اشتراه أى استبدل ما تتلو الشياطين من كتاب اللَّه ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ من نصيب وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أى باعوها. وقرأ الحسن: الشياطون. وعن بعض العرب: بستان فلان حوله بساتون. وقد ذكر وجهه فيما بعد. وقرأ الزهري (هاروت وماروت) بالرفع على: هما هاروت وماروت. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف، ولو كانا من الهرت والمرت- وهو الكسر كما زعم بعضهم- لانصرفا. وقرأ طلحة (وما يعلمان) من أعلم، وقرئ (بين المرء) بضم الميم وكسرها مع الهمز. والمرّ، بالتشديد على تقدير التخفيف والوقف، «٢» كقولهم: فرج، وإجراء الوصل مجرى الوقف. وقرأ الأعمش: وما هم بضارّى، بطرح النون والإضافة إلى أحد والفضل بينهما بالظرف. فإن قلت: كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن؟ قلت: جعل الجار جزءاً «٣» من المجرور. فإن قلت: كيف أثبت لهم العلم أولا في قوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا) على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه عنهم في قوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ؟ قلت:

معناه لو كانوا يعملون بعلمهم، جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه.


(١) . قوله «الفرك والنشوز» في الصحاح الفرك بالكسر البغض ولا يستعمل إلا بين الزوجين وقوله لا أن السحر الخ: مبنى على مذهب المعتزلة من أن السحر لا حقيقة له ولا تأثير له. وذهب أهل السنة إلى إثباته وإثبات تأثيره وإن كان تأثير كل شيء في غيره لا يكون إلا باذنه تعالى وهذا هو ظاهر الكتاب وظاهر السنة. (ع) [.....]
(٢) . قوله «على تقدير التخفيف والوقف» أى في لغة من وقف بالتضعيف (ع)
(٣) . قوله «قلت جعل الجار جزءاً» ونظيره لا أبالك. (ع)