أبو بكر رضى الله عنه: لا يقرّر الله أعينكم، فو الله لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى بن خلف. كذبت يا أبا فصيل، اجعل بيننا أجلا أنا حبك عليه. والمناحبة: المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر ومادّه في الأجل. فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين. ومات أبىّ من جرح رسول الله، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين. وقيل: كان النصر يوم بدر للفريقين، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبى، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تصدّق به. وهذه الآية من الآيات البينة الشاهدة على صحة النبوّة، وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. وقرئ: غلبهم، بسكون اللام. والغلب والغلب.
مصدران كالجلب والجلب، والحلب والحلب. وقرئ: غلبت الروم، بالفتح. وسيغلبون، بالضم. ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم، وإضافة غلبهم تختلف باختلاف القراءتين، فهي في إحداهما إضافة المصدر إلى المفعول. وفي الثانية إضافته إلى الفاعل. ومثالهما مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ. فإن قلت: كيف صحت المناحبة وإنما هي قمار؟ قلت: عن قتادة رحمه الله أنه كان ذلك قبل تحريم القمار. ومن مذهب أبى حنيفة ومحمد: أن العقود الفاسدة من عقود الربا وغيرها جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار. وقد احتجا على صحة ذلك بما عقده أبو بكر بينه وبين أبىّ بن خلف مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أى في أوّل الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون، كأنه قيل: من قبل كونهم غالبين، وهو وقت كونهم مغلوبين. ومن بعد كونهم مغلوبين، وهو وقت كونهم غالبين، يعنى أن كونهم مغلوبين أوّلا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله وقضائه وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وقرئ: من قبل ومن بعد، على الجرّ من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه. كأنه قيل: قبلا وبعدا، بمعنى أوّلا وآخرا وَيَوْمَئِذٍ ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله عزّ وجل من غلبتهم يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له. وغيظ من شمت بهم من كفار مكة. وقيل:
نصر الله: هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم وقيل نصر الله. أنه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمهم، حتى تفانوا وتناقصوا، وفل «١» هؤلاء شوكة هؤلاء وفي ذلك قوّة للإسلام. وعن أبى سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر، وفي هذا اليوم نصر المؤمنون وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ينصر عليكم تارة وينصركم أخرى.