للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في امرأة، ولا بنوّة ودعوة في رجل.

والمعنى: أن الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين- لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بدأك، فذلك يؤدى إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها. عالما ظانا، موقنا شاكا في حالة واحدة- لم ير أيضا أن تكون المرأة الواحدة أمّا لرجل زوجا له، لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوكة وهما حالتان متنافيتان، وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل وابنا له لأنّ النبوّة. أصالة في النسب وعراقة فيه، والدعوة: إلصاق عارض بالتسمية «١» لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل، وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبى صغيرا، وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وطلبه أبوه وعمه، فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه، وكانوا يقولون: زيد بن محمد «٢» ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وقوله ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقيل: كان أبو معمر رجلا من أحفظ العرب وأرواهم، فقيل له: ذو القلبين. وقيل: هو جميل بن أسد الفهري، وكان يقول: إن لي قلبين، أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، فروى أنه انهزم يوم بدر، فمرّ بأبى سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب، فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما


(١) . قال محمود: «أسد ما ذكر فيه من التأويلات أنهم كانوا يدعون لابن خطل قلبين، فنفى الله صحة ذلك وقرنه بما كانوا يقولونه من الأقاويل المتناقضة، كجعل الأدعياء أبناء والزوجات أمهات. قال: وهذه الأمور الثلاثة متنافية: أما الأول فلأنه يلزم من اجتماع القلبين قيام أحد المعنيين بأحدهما وضده في الآخر، وذلك كالعلم والجهل والأمن والخوف وغير ذلك. وأما الثاني فلأن الزوجة في مقام الامتهان والأم في محل الإكرام، فنافى أن تكون الزوجة أما. وأما الثالث فلأن النبوة أصالة وعراقة، والدعوة لاصقة عارضة، فهما متنافيان، وذكر الجوف ليصور به صورة اجتماع القلبين فيه حتى يبادره السامع بالإنكار.
(٢) . هكذا ذكره ابن إسحاق وابن أبى خيثمة من طريقه. وزاد في آخره «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين فتبناه» وعن سالم عن أبيه قال «ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى أنزل الله ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ انتهى. وهذه الزيادة في الصحيحين عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه «ما كنا ندعو زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ- الآية