لئن فتنتني لهى بالأمس أفتنت … سعيدا فأمسى قد قلى كل مسلم وألقى مصابيح القراءة واشترى … وصال الغواني بالكتاب المنمنم للأعشى الهمداني. وفتنته المرأة- بالتخفيف والتشديد- وأفتنته: دلهته وحيرته. و «لهى بالأمس أفتنت» جواب القسم المدلول عليه باللام في قوله: لئن فتنتني. وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم. والمعنى: إن فتنتني فلا أحزن ولا أتعجب، فان تلك عادتها من قبل، فالمراد بالأمس: الزمن الماضي. وسعيد: هو ابن جبير، كان عالما تقيا. وقلى كل مسلم، أى: بغض كل مسلم سواها. وعبر بالمسلم، لأنه يبعد بغضه. والمصابيح: يجوز أنها حقيقة، وأنها مجاز عن الكتب. والغواني: الجميلات. والمنمنم: المحسن بنقوش الكتابة. (٢) . قال محمود: «ونقل بعضهم أن هذه القصة لم تكن من الملائكة وليست تمثيلا وإنما كانت من البشر إما خليطين في الغنم حقيقة، وإما كان أحدهما موسرا وله نسوان كثيرة من المهاتر والسراري والثاني معسرا وماله إلا امرأة واحدة، فاستنزله عنها، وفزع داود، وخوفه أن يكونا مغتالين لأنهما دخلا عليه في غير وقت القضاء، وما كان ذنب داود إلا أنه صدق أحدهما على الآخر ونسبه إلى الظلم قبل مسألته» قال أحمد: مقصود هذا القائل تنزيه داود عن ذنب يبعثه عليه شهوة النساء، فأخذ الآية على ظاهرها وصرف الذنب إلى العجلة في نسبة الظلم إلى المدعى عليه، لأن الباعث على ذلك في الغالب إنما هو التهاب الغضب وكراهيته أخف مما يكون الباعث عليه الشهوة والهوى، ولعل هذا القائل يؤكد رأيه في الآية بقوله تعالى عقبها وصية لداود عليه السلام: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فما جرت العناية بتوصيته فيما يتعلق بالأحكام إلا والذي صدر منه أولا وبان منه من قبيل ما وقع له في الحكم بين الناس، وقد التزم المحققون من أئمتنا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: داود وغيره- منزهون من الوقوع في صغائر الذنوب مبرؤن من ذلك، والتمسوا المحامل الصحيحة لأمثال هذه القصة، وهذا هو الحق الأبلج، والسبيل الأبهج، إن شاء الله تعالى.