للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: هو نهى عن العزل لأنه في الحرائر. وقيل: وابتغوا المحل الذي كتبه اللَّه لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرّم. وعن قتادة: وابتغوا ما كتب اللَّه لكم من الإباحة بعد الحظر.

وقرأ ابن عباس (واتبعوا) وقرأ الأعمش (وأتوا) وقيل معناه: واطلبوا ليلة القدر وما كتب اللَّه لكم من الثواب إن أصبتموها وقمتموها، وهو قريب من بدع التفاسير الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ هو أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود. والْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ما يمتدّ معه من غبش الليل، شبها بخيطين أبيض وأسود. قال أبو داود «١» :

فَلَمَّا أضَاءَتْ لَنَا سَدْفَةٌ … وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أنَارَا «٢»

وقوله مِنَ الْفَجْرِ بيان للخيط الأبيض، واكتفى به عن بيان الخيط الأسود. لأنّ بيان أحدهما بيان للثاني. ويجوز أن تكون «من» للتبعيض: لأنه بعض الفجر وأوّله. فإن قلت: أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه؟ قلت: قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) أخرجه من باب الاستعارة، كما أن قولك: رأيت أسداً مجاز. فإذا زدت «من فلان» رجع تشبيها. فإن قلت: فلم زيد (مِنَ الْفَجْرِ) حتى كان تشبيها؟ وهلا اقتصر به على الاستعارة التي هي أبلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة؟

قلت: لأن من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر (مِنَ الْفَجْرِ) لم يعلم أن الخيطين مستعاران، فزيد (مِنَ الْفَجْرِ) فكان تشبيها بليغا وخرج من أن يكون استعارة.

فإن قلت: فكيف التبس على عدىّ بن حاتم مع هذا البيان حتى قال: عمدت إلى عقالين أبيض وأسود «٣» فجعلتهما تحت وسادتي فكنت أقوم من الليل فأنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فضحك وقال:

«إن كان وسادك لعريضا» ، وروى: «إنك لعريض القفا» «٤» إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل» ؟ قلت: غفل عن البيان، ولذلك عرّض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قفاه، لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل وقلة فطنته. وأنشدتنى بعض البدويات لبدوى:


(١) . قوله «قال أبو داود» لعله: دواد. (ع)
(٢) . لأبى داود. وأضاء وأنار، يجيئان لازمان كما هنا ومتعديين. والسدفة بياض الفجر يشوبه قليل ظلام. وفي لغة نجد: الظلمة. وأسدفت المرأة القناع: أرسلته. وأسدف الليل: أظلم. وعند غيرهم هي الاضاءة والصبح. وأسدف الصبح. أضاء. وأسدف الباب فتحه. وشبه بياض بعض الصبح بالخيط في امتداده. ويجوز أن «من» بيانية، وجملة أنار صفة خيط، وجواب الشرط فيما بعده.
(٣) . متفق عليه من حديث الشعبي عن عدى بن حاتم.
(٤) . هذه الرواية في البخاري أيضا من طريق الشعبي عن عدى بن حاتم أيضا.