للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت الخارجية:

أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنّك لم تجزع على ابن طريف «١»

وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما: من بكاء مصلى المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء: تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى: فما بكى عليهم


(١) .
أيا شجر الخابور مالك مورقا … كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى … ولا المال إلا من قنا وسيوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى … فان مات لم يرض الندى بحليف
فقد ناء فقدان الربيع وليتنا … فديناه من ساداتنا بألوف
لليلى بنت طريف ترثى أخاها الوليد. وأيا: حرف نداء. والخابور: موضع كثير الشجر، نزلت شجرة منزلة العاقل، فنادته واستفهمته عن سبب إخراجه الورق، من باب تجاهل العارف ساقت المعلوم مساق المجهول، واستفهمت عنه لفرط ما بها من الجزع تيقنت أن كل الأشياء جزعت عليه حتى الشجر، فخاطبته بقولها: كأنك لم تجزع على أخى، وذكرته بكنيته تعظيما لقدره وتنويها بذكره. ومورقا: حال من كاف الخطاب، ثم قالت: هو فتى لا يحب أن يتزود إلا من التقى، ولا يحب المال إلا من الغنائم بالحرب، فقولها «إلا من قنا وسيوف» : كناية عن ذلك. والقناة:
الرماح، واحده: قناة. حليف الندى: أى ملازم له تلازم المتحالفين على الاجتماع، فهو استعارة مصرحة، ثم قالت: يرضى به أى بصحبته الندى: مدة حياته وإن طالت. وهذا ترشيح للاستعارة. وقولها: فان مات «إن» فيه بمعنى إذ، فهي لمجرد الربط لا للشك، كما ذهب إليه الكوفيون في نحو قوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وهذا على أنه كان قد مات كما هو ظاهر قولها فقدناه. ويحتمل أنه كان في مرض الموت، أى: شارفنا فقده مجازا، كأنه قد حصل. وشبهته بالربيع في ضمن تشبيه فقدانه فقدان الربيع يجامع عموم نفع كل: مدحته بالتقوى والشجاعة والكرم وعموم النفع والسيادة، وتنكير ألوف للتكثير، ويروى: دهمائنا، بدل سادتا. والدهماء: السواد العظيم. وظاهر التمني يدل أيضا على أنه كان قد مات، إلا أن يكون المعنى: ليتنا فديناه مما أصابه فأمرضه.
وتكرير «حليف» من باب رد العجز على الصدر [.....]