للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوراء: الجهة التي يواريها عنك الشخص بظله من خلف أو قدام «١» . ومن لابتداء الغاية، وأنّ المناداة نشأت من ذلك المكان. فإن قلت: فرق بين الكلامين بين ما تثبت فيه وما تسقط عنه. قلت: الفرق بينهما أنّ المنادى والمنادى في أحدهما يجوز أن يجمعهما الوراء، وفي الثاني: لا يجوز لأنّ الوراء تصير بدخول من مبتدأ الغاية، ولا يجتمع على الجهة الواحدة أن تكون مبتدأ ومنتهى لفعل واحد، والذي يقول: ناداني فلان من وراء الدار. لا يريد وجه الدار ولا دبرها، ولكن أى قطر من أقطارها الظاهرة كان مطلقا بغير تعيين واختصاص، والإنكار لم يتوجه عليهم من قبل أنّ النداء وقع منهم في أدبار الحجرات أو في وجوهها، وإنما أنكر عليهم أنهم نادوه من البرّ «٢» والخارج مناداة الأجلاف بعضهم لبعض، من غير قصد إلى جهة دون جهة. والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وحظيرة الإبل تسمى الحجرة، وهي فعلة بمعنى مفعولة، كالغرفة والقبضة، وجمعها: الحجرات- بضمتين، والحجرات- بفتح الجيم، والحجرات بتسكينها. وقرئ بهنّ جميعا، والمراد: حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت لكل واحدة منهنّ حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرّقوا على الحجرات متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكان حرمته. والفعل وإن كان مسندا إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعا، فقد ذكر الأصم أنّ الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس. والإخبار عن أكثرهم بأنهم لا يعقلون: يحتمل أن يكون فيهم من قصد بالمحاشاة. ويحتمل أن يكون الحكم بقلة العقلاء فيهم قصدا إلى نفى أن يكون فيهم من يعقل، فإنّ القلة تقع موقع النفي في كلامهم. وروى أن وفد بنى تميم أتوا رسول الله صلى الله


(١) . قال محمود: «الوراء الجهة التي يواريها عنك الشخص بظله من خلف أو قدام … الخ» قال أحمد:
ولقد اغتر بعضهم في تبكيت بنى تميم بما لا تساعده عليه الآية، فإنها نزلت في المتولين لمناداة النبي عليه الصلاة والسلام، أو في الحاضرين حينئذ الراضين بفعل المنادين له، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عنهم فقال: هم جفاة بنى تميم، وعلى الجملة وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فكيف يسوغ إطلاق اللسان بالسوء في حق أمة عظيمة لأن واحدا منهم أو اثنين ارتكب جهالة وجفاء، فقد ورد أن المنادى له عليه السلام: هو الأقرع، هذا مع توارد الأحاديث في فضائل تميم وتخليدها وجوه الكتب الصحاح.
(٢) . قوله «أنهم نادوه من البر والخارج» الظاهر أن تفسيره ما بعده. وفي الصحاح «في مادة برر» أن البرية هي الصحراء. وفي مادة ضمن: في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام في بعض كتبه: «إن لنا الضاحية من البعل ولكم الضامنة من النخل» ما نصه: فالضاحية: هي الظاهرة التي في البر من النخل، والضامنة: ما تضمنها أمصارهم وقراهم. (ع)