للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحُصر: إذا حبسه عدوّ عن المضىّ، أو سجن. ومنه قيل للمحبس: الحصير. وللملك، الحصير، لأنه محجوب. هذا هو الأكثر في كلامهم، وهما بمعنى المنع في كل شيء، مثل صدّه وأصدّه. وكذلك قال الفرّاء وأبو عمرو الشيباني، وعليه قول أبى حنيفة رحمهم اللَّه تعالى، كل منع عنده من عدوّ كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار. وعند مالك والشافعي منع العدوّ وحده.

وعن النبىّ صلى اللَّه عليه وسلم: «من كسر أو عرج فقد حلّ وعليه الحج من قابل» «١» فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فما تيسر منه. يقال: يسر الأمر واستيسر، كما يقال: صعب واستصعب.

والهدى جمع هدية، كما يقال في جدية السرج «٢» جدي. وقرئ (من الهدىّ) بالتشديد جمع هدية كمطية ومطىّ. يعنى فإن منعتم من المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة، فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاة، فإن قلت: أين ومتى ينحر هدى المحصر؟

قلت: إن كان حاجا فبالحرم متى شاء عند أبى حنيفة يبعث به، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار «٣» وعندهما في أيام النحر وإن كان معتمراً فبالحرم في كل وقت عندهم جميعاً. و «ما استيسر» رفع بالابتداء، أى فعليه ما استيسر. أو نصب على: فاهدوا ما استيسر وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ الخطاب للمحصرين: أى لا تحلوا حتى تعلموا أنّ الهدى الذي بعثتموه إلى الحرم بلغ مَحِلَّهُ أى مكانه الذي يجب نحره فيه. ومحل الدين وقت وجوب قضائه، وهو ظاهر على مذهب أبى حنيفة رحمه اللَّه. فإن قلت: إنّ النبىّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم نحر هديه حيث أحصر «٤» ؟ قلت:

كان محصره طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة وهو من الحرم، وعن الزهري أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحر هديه في الحرم. وقال الواقدي: الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال


(١) . أخرجه أصحاب السنن وأحمد، وإسحاق، وبن أبى شيبة، والطبراني من حديث عكرمة عن ابن عمرو ابن غزية الأنصارى.
(٢) . قوله «في جدية السرج» في الصحاح «الجدية» بتسكين الدال: شيء محشو يجعل تحت دفتي السرج والرحل. ثم قال: وكذلك الجدية على فعيلة. (ع)
(٣) . قوله «على يده يوم أمار» عبارة البيضاوي: يوم أمارة، فإذا جاء اليوم وظن أنه ذبح تخلل. وفي الصحاح: قال الأصمعي: الآمار ولأمارة. الوقت والعلامة. (ع)
(٤) . أما نحر الهدى حين حصر ففي البخاري من حديث ابن عمر رضى اللَّه عنهما «أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج معتمراً. فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية» وأما كونه أسفل مكة فرواه [بياض في الأصل.]
وأما حديث الزهري فلم أجده لكن روى الطبري من حديث ناجية بن جندب الأسلمى» قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين صد عن البيت. فقلت: يا رسول اللَّه ابعث معى بالهدى فينحر بالحرم. قال: كيف تصنع به؟ قال: أنحدر به في أودية فلا يقدرون عليه. فانطلقت به حتى نحرته في الحرم.