للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما أعطت فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ فيما فدت به نفسها واختلعت به من بذل ما أوتيت من المهر. والخلع بالزيادة على المهر مكروه وهو جائز في الحكم. وروى أن امرأة نشزت على زوجها فرفعت إلى عمر رضى اللَّه عنه، فأباتها في بيت الزبل ثلاث ليال ثم دعاها فقال: كيف وجدت مبيتك؟ قالت: ما بت منذ كنت عنده أقرّ لعيني منهن. فقال لزوجها: اخلعها ولو بقرطها «١» . قال قتادة: يعنى بمالها كله، هذا إذا كان النشوز منها، فإن كان منه كره له أن يأخذ منها شيئا. وقرئ إلا أن يخافا، على البناء للمفعول وإبدال أن لا يقيما من ألف الضمير، وهو من بدل الاشتمال كقولك: خيف زيد تركه إقامة حدود اللَّه. ونحوه (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ويعضده قراءة عبد اللَّه (إلا أن تخافوا) وفي قراءة أبىّ: إلا أن يظنا. ويجوز أن يكون الخوف بمعنى الظن. يقولون: أخاف أن يكون كذا، وأفرق أن يكون، يريدون أظن فَإِنْ طَلَّقَها الطلاق المذكور الموصوف بالتكرار في قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) واستوفى نصابه. أو فإن طلقها مرة ثالثة بعد المرّتين فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ من بعد ذلك التطليق حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ حتى تتزوّج غيره، والنكاح يسند إلى المرأة كما يسند إلى الرجل كما التزوج.

ويقال: فلانة ناكح في بنى فلان. وقد تعلق من اقتصر على العقد في التحليل بظاهره وهو سعيد ابن المسيب. والذي عليه الجمهور أنه لا بد من الإصابة، لما روى عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها أنّ امرأة رفاعة جاءت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إن رفاعة طلقني فبت طلاقى وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوّجنى، وإنما معه مثل هدبة الثوب وإنه طلقني قبل أن يمسني، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عُسيلتك «٢» . وروى أنها لبثت ما شاء اللَّه، ثم رجعت فقالت: إنه كان قد مسنى، فقال لها:

كذبت في قولك الأوّل، فلن أصدّقك في الآخر، فلبثت حتى قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «٣» فأتت أبا بكر رضى اللَّه عنه فقالت: أأرجع إلى زوجي الأوّل، فقال: قد عهدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين قال لك ما قال، فلا ترجعى إليه، فلما قبض أبو بكر رضى اللَّه عنه قالت مثله لعمر رضى اللَّه عنه فقال: إن أتيتينى بعد مرّتك هذه لأرجمنك، فمنعها. فإن قلت:


(١) . أخرجه عبد الرزاق وابن أبى شيبة والطبري وإبراهيم الحربي في أواخر الغريب له كلهم من رواية أيوب عن كثير مولى سمرة «أن عمر أتى بامرأة ناشزة فذكره» قال إبراهيم: الناشز التي تعصى زوجها.
(٢) . متفق عليه من هذا الوجه.
(٣) . قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة- فذكر الحديث. وفيه «فقعدت ما شاء اللَّه. ثم جاءته فأخبرته أنه قد مسها، فمنعها أن ترجع إلى زوجها الأول، وقال: اللهم إن كان إثما بها أن يحلها لرفاعة فلا يتم لها نكاحة مرة أخرى. ثم أتت أبا بكر وعمر في خلافتهما فمنعاها» .