للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثير الرماد للمضياف. والتعريض أن تذكر شيأ تدل به على شيء لم تذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك الكريم. ولذلك قالوا:

وَحَسْبُكَ بِالتَّسلِيمِ مِنِّى تَقَاضِيَا

وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أو سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرّضين ولا مصرحين عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لا محالة ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهنّ ولا تصبرون عنه، وفيه طرف من التوبيخ كقوله: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) . فإن قلت: أين المستدرك بقوله «١» وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ؟ قلت: هو محذوف لدلالة ستذكرونهنّ عليه، تقديره: علم اللَّه أنكم ستذكرونهنّ فاذكروهنّ، ولكن لا تواعدوهنّ سراً. والسر وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء، لأنه مما يسرّ. قال الأعشى:

وَلَا تَقْرَبَنْ مِنْ جَارَةٍ إنَّ سِرَّهَا … عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أوْ تَأَبَّدَا «٢»

ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «إن قلت أين المستدرك بقوله ولكن … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف، لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الاباحة عقيبها. ونظير هذا النظم قوله تعالى (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) الآية. ولهذا الحذف سر واللَّه أعلم، وهو أنه اجتنب لأن الاباحة لم تنسحب على الذكر مطلقا، بل اختصت بوجه واحد من وجوهه وذلك الوجه المباح عسر التميز عما لم يبح، فذكرت مستثناة بقوله: (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً) تنبيهاً على أن المحل ضيق والأمر فيه عسر والأصل فيه الحظر، ولا كذلك الوطء في زمن ليل الصوم فانه أبيح مطلقا غير مقيد، فلذلك صدر الكلام بالاباحة والتوسعة، وجاء النهى عن مباشرة المعتكفة في المسجد تلوا للاباحة وتبعا في الذكر، لأنها حالة فاذة والمنع فيها لم يكن لأجل الصوم، ولكن الأمر يتعلق به من حيث المصاحب وهو الاعتكاف، فتفطن لهذا السر فانه من غرائب النكت.
(٢) .
ولا تسخرن من بائس ذى ضرارة … ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
ولا تقربن من جارة إن سرها … عليك حرام فانكحن أو تأبدا
للأعشى ميمون بن قيس. والبائس: الفقير المحتاج. والضرارة: العمى. وإسناد الإخلاد إلى المال مجاز، لأنه سببه على التوهم. وتقرب- بفتح الراء- بمعنى نفعل، فمن زائدة. وجارة: مفعول، وبضمها بمعنى تدنو، فمن أصلية. وروى: ولا تقربن جارة- بتشديد النون- وعلى كل فهو كناية عن النهى عن الوطء. والسر: ضد الجهر، واستعمل هنا في الموطئ مجازا لأنه يقع فيه، أو لأنه مما يسر. والنكاح: عقد الزوجية. ويقال: أبد الوحشي أبودا، وتأبد تأبدا: نفر عن الأنيس، وألفه هنا منقلبة عن نون التوكيد في الوقف، والمراد منه التباعد مجازاً، والمخاطب بذلك ليس معينا. ونهاه عن الدنو منها لأنه أبلغ من تهيه عن وطئها، ثم قال: فتزوج أو اعتزل النساء كالوحش.