وقرأ ابن مسعود: أرأيتك، بزيادة حرف الخطاب، كقوله أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه فَذلِكَ الَّذِي يكذب بالجزاء، هو الذي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أى: يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى، وبردّه ردّا قبيحا بزجر وخشونة. وقرئ: يدع، أى: يترك ويجفو وَلا يَحُضُّ ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعنى: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشى الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه:
علم أنه مكذب، فما أشده من كلام، وما أخوفه من مقام، وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين، ثم وصل به قوله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ كأنه قال: فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقرأ من غير خشوع وإخبات، ولا اجتناب لما يكره فيها: من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدرى الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، كما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم.
والمعنى: أنّ هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة- التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام- علما على أنهم مكذبون بالدين. وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه. وطريقة أخرى: أن يكون فَذلِكَ عطفا على الَّذِي يُكَذِّبُ إمّا عطف ذات على ذات، وصفة على صفة، ويكون جواب أَرَأَيْتَ محذوفا لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل: أخبرنى، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء؟ وفيمن يؤذى اليتيم ولا يطعم المسكين؟ أنعم ما يصنع؟ ثم قال فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ أى إذا علم أنه مسيء، فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم، لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف