(٢) . عاد كلامه قال: «فان قلت: كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي وما بالها لم تعطف بالواو؟ قلت: لأنها كلها في حكم البيان والبيان متحد بالمبين فدخول الواو بينهما- كما تقول العرب- دخول بين العصا ولحائها، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه، والثانية لكونه مالكا لتدبيره، والثالثة لكبرياء شأنه، والرابعة لاحاطته بأحوال الخلق، والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها. وقد وردت آثار في تفضيلها. منها قوله عليه السلام «ما قرئت هذه الآية في دار إلا اجتنبتها الشياطين ثلاثين يوما، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها» وعن على رضى اللَّه عنه سمعت نبيكم على أعواد المنبر يقول «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد. ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه اللَّه على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال على أين أنتم من آية الكرسي، ثم قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يا على، سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال، وسيد الجبال طور سيناء، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي» . وإنما فضلت لما فضلت له سورة الإخلاص، من اشتمالها على توحيد اللَّه وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى» قال أحمد: وكان جدي رحمة اللَّه عليه يقول: اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من أسماء اللَّه عز وجل وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم اللَّه تعالى، ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض، ويظهر لكثير من العادين منها ستة عشر إلا على بصير حاد البصيرة لدقة استخراجه. الأول اللَّه، الثاني هو، الثالث الحي، الرابع القيوم، الخامس ضمير لا تأخذه، السادس ضمير له، السابع ضمير عنده، الثامن ضمير إلا باذنه، التاسع ضمير يعلم، العاشر ضمير علمه، الحادي عشر ضمير شاء، الثاني عشر ضمير كرسيه، الثالث عشر ضمير ولا يؤده، الرابع عشر وهو، الخامس عشر العلى، السادس عشر العظيم. فهذه عدة الأسماء البينة. وأما الخفي فالضمير الذي اشتمل عليه المصدر في قوله: (حِفْظُهُما) فانه مصدر مضاف إلى المفعول، وهو الضمير البارز، ولا بد له من فاعل وهو اللَّه، ويظهر عند فك المصدر فيقول: ولا يؤده أن يحفظهما هو. وكان الشيخ أبو عبد اللَّه محمد بن أبى الفضل المرسى قد رام الزيادة على هذا العدد لما أخبرته به عن الجد رحمه اللَّه فقال: يمكن أن يعد ما في الآية من الأسماء المشتقة كل واحد منها بآيتين. لأن كل واحد يتحمل ضميراً ضرورة كونه مشتقا، وذلك الضمير إنما يعود إلى اللَّه تعالى، وهي باعتبار ظهورها اسم وقد اشتملت على آخر مضمر، فيكون جملة العدد على هذا النظر أحداً وعشرين اسما، وكنت قد أجريت معه في تعدد الزيادة المذكورة وجها لطيفاً، وهو أن الاسم المشتق لا يتحمل الضمير بعد صيرورته بالتسمية علما على الأصح، وهذه الصفات كلها أسماء اللَّه تعالى، ثم ولو فرضناها متحملة للضمائر بعد التسمية على سبيل التنزيل، فالمشتق إنما يقع على موصوفه باعتبار تحمله ضميره. ألا تراك إذا قلت: زيد كريم، وجدت «كريماً» إنما يقع على زيد، لأن فيه ضميره، حتى لو جردت النظر إليه لم تجده مختصا بزيد، بل لك أن توقعه على كل موصوف بالكرم من الناس، ولا تجده مختصا بزيد إلا باعتبار اشتماله على ضميره، فليس المشتق إذاً مستقلا بوقوعه على موصوفه إلا بضميمة الضمير إليه، فلا يمكن أن يجعل له حكم الانفراد عن الضمير مع الحكم برجوعه إلى معين ألبتة، فرضي الشيخ المذكور عن هذا البحث وصوبه واللَّه الموفق للصواب.