للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنت عمران بن ماثان بن سليمان بن داود «١» بن ايشا بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق. وقد دخل في آل إبراهيم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقيل بعضها من بعض في الدين، كقوله تعالى (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) . وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يعلم من يصلح للاصطفاء، أو يعلم أنّ بعضهم من بعض في الدين. أو سميع عليم لقول امرأة عمران ونيتها. وإِذْ منصوب به.

وقيل: بإضمار اذكر. وامرأة عمران هي امرأة عمران بن ماثان، أمّ مريم البتول، جدّة عيسى عليه السلام، وهي حنة بنت فاقوذ. وقوله إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ على أثر قوله: (وَآلَ عِمْرانَ) مما يرجح أنّ عمران هو عمران بن ماثان جدّ عيسى، والقول الآخر يرجحه أن موسى يقرن بإبراهيم كثيراً في الذكر. فإن قلت: كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من موسى وهرون، ولعمران بن ماثان مريم البتول، فما أدراك أن عمران هذا هو أبو مريم البتول دون عمران أبى مريم التي هي أخت موسى وهرون؟ قلت: كفى بكفالة زكريا دليلا على أنه عمران أبو البتول، لأن زكريا بن آذن وعمران بن ماثان كانا في عصر واحد، وقد تزوّج زكريا بنته إيشاع أخت مريم فكان يحيى وعيسى ابني خالة. روى أنها كانت عاقراً لم تلد إلى أن عجزت، فبينا هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخاً له فتحرّكت نفسها للولد وتمنته، فقالت: اللهم إن لك علىّ نذراً شكراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه، فحملت بمريم وهلك عمران وهي حامل مُحَرَّراً معتقاً لخدمة بيت المقدس لا يدَ لي عليه ولا أستخدمه ولا أشغله بشيء، وكان هذا النوع من النذر مشروعا عندهم. وروى أنهم كانوا ينذرون هذا النذر، فإذا بلغ الغلام خير بين أن يفعل وبين أن لا يفعل. وعن الشعبي (مُحَرَّراً) مخلصاً للعبادة، وما كان التحرير إلا للغلمان، وإنما بنت الأمر على التقدير، أو طلبت أن ترزق ذكراً فَلَمَّا وَضَعَتْها الضمير لما في بطني «٢» ، وإنما أنث على المعنى لأن ما في بطنها كان أنثى في علم اللَّه، أو على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة. فإن قلت: كيف جاز انتصاب أُنْثى حالا من الضمير في وضعتها وهو كقولك وضعت الأنثى أنثى؟ قلت: الأصل: وضعته أنثى، وإنما أنث لتأنيث الحال لأن الحال وذا الحال لشيء واحد، كما أنث الاسم في ما كانت أمّك لتأنيث الخبر. ونظيره قوله تعالى: (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) وأمّا على تأويل الحبلة أو النسمة فهو ظاهر، كأنه قيل: إنى وضعت الحبلة أو النسمة


(١) . قوله «ابن ماثان بن سليمان بن داود» قوله: ابن سليمان، أى من نسله. وقوله: ابن يهوذا، أى من نسله، كما صرح به الفخر الرازي. وذكر أبو السعود بين ماثان وسليمان نحو خمسة عشر جداً، وبين إيشا ويهوذا تسعة جدود. (ع)
(٢) . قال محمود: «الضمير عائد إلى ما في بطني … الخ» قال أحمد: الضمير في قوله «وضعتها» يتناول إذا ما نسب إليها الوضع والأنوثة، فالحال واقعة عليها من حيث الجهة العامة وتلك الجهة كونها شيئا وضع لا لخصوص نسبة الأنوثة إليها. وقد مر هذا البحث بعينه عند قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) .