للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة: وقرأ أبو الشعثاء: (لا ريب فيه) بالرفع: والفرق بينها وبين المشهورة، أنّ المشهورة توجب الاستغراق، وهذه تجوّزه. والوقف على: (فِيهِ) هو المشهور. وعن نافع وعاصم أنهما وقفا على: (لا رَيْبَ) ولا بد للواقف من أن ينوى خبرا.

ونظيره قوله تعالى: (قالُوا لا ضَيْرَ) ، وقول العرب: لا بأس، وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز.

والتقدير: لا ريب فيه.

فِيهِ هُدىً الهدى مصدر على فعل، كالسرى والبكى، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية، بدليل وقوع الضلالة في مقابلته. قال اللَّه تعالى: (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) .

وقال تعالى: (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . ويقال: مهدى، في موضع المدح كمهتد ولأن اهتدى مطلوع هدى- ولن يكون المطاوع في خلاف معنى أصله- ألا ترى إلى نحو:

غمه فاغتم، وكسره فانكسر، وأشباه ذلك: فإن قلت: فلم قيل: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ والمتقون مهتدون؟ «١» قلت: هو كقولك للعزيز المكرم: أعزك اللَّه وأكرمك، تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه واستدامته، كقوله: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) . ووجه آخر، وهو أنه سماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى: متقين، كقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «من قتل قتيلا فله سلبه» «٢» وعن ابن عباس: «إذا أراد أحدكم الحج فليعجل فإنه يمرض المريض وتضل الضالة، وتكتفّ الحاجة» «٣» فسمى المشارف للقتل والمرض والضلال:


(١) . قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت: فلم قيل هدى للمتقين والمتقون مهتدون … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: الهدى يطلق في القرآن على معنيين: أحدهما الإرشاد وإيضاح سبيل الحق. ومنه قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) . وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق، سواء حصل له الاهتداء أولا.
والآخر خلق اللَّه تعالى الاهتداء في قلب العبد، ومنه: (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو في هذه الآية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً. وأما قول الزمخشري: إن القرآن لا يكون هدى للمعلوم بقاؤهم على الضلالة، فإنما يستقيم إذا أريد بالهدى خلق الاهتداء في قلوبهم. وأما إذا أريد معناه الأول، فلا يمتنع أن اللَّه تعالى أرشد الخلق أجمعين، وبين للناس ما نزل إليهم، فمنهم من اهتدى، ومنهم من حقت عليهم الضلالة. هذا مذهب أهل السنة.
(٢) . متفق عليه من حديث أبى قتادة. وفيه قصته. وغلط الطيبي فقرأه لأبى داود عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، والذي فيه أنه قال يوم بدر «من قتل قتيلا فله كذا أو كذا» لم يقل «فله سلبه» . [.....]
(٣) . موقوف. عزاه الطيبي لأبى داود وحده مرفوعا وقال: ليس فيه الزيادات، يعنى قوله: فيه يمرض إلى آخره. انتهى. والحديث بتمامه عند ابن ماجة، وأحمد وإسحاق في مسنديهما مرفوعا، وفيه أبو إسرائيل المكي، وهو صدوق سيئ الحفظ.