قبول الفدية التي هي ملء الأرض ذهبا يكون على أحوال: منها أن يؤخذ منه على وجه لقهر فدية عن نفسه كما تؤخذ الدية قهراً من مال القاتل على قول. ومنها أن يقول المفتدى في التقدير: أفدى نفسي بكذا، وقد لا يفعل. ومنها أن يقول هذا القول وينجز المقدار الذي يفدى به نفسه ويجعله حاضراً عتيداً، وقد يسلمه مثلا لمن يأمن منه قبول فديته. وإذا تعددت الأحوال فالمراد في الآية أبلغ الأحوال وأجدرها بالقبول، وهو أن يفتدى بملء الأرض ذهبا افتداء محققا بأن يقدر على هذا الأمر العظيم ويسلمه وينجزه اختيارا، ومع ذلك لا يقبل منه فمجرد قوله أبذل المال وأقدر عليه أو ما يجرى هذا المجرى بطريق الأولى، فيكون دخول الواو والحالة هذه على بابها، تنبيها على أن ثم أحوالا أخر لا ينفع فيها القبول بطريق الأولى بالنسبة إلى الحالة المذكورة. وقد ورد هذا المعنى مكشوفا في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) واللَّه أعلم. وهذا كله تسجيل بأنه لا محيص ولا مخلص لهم من الوعيد، وإلا فمن المعلوم أنهم أعجز عن الفلس في ذلك اليوم. ونظير هذا التقدير من الأمثلة أن يقول القائل: لا أبيعك هذا الثوب بألف دينار ولو سلمنها إلى في يدي هذه. فتأمل هذا النظر فانه من السهل الممتنع. واللَّه ولى التوفيق.