للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن يخذلكم، من أخذله إذا جعله مخذولا. وفيه ترغيب في الطاعة وفيما يستحقون به النصر من اللَّه تعالى والتأييد، وتحذير من المعصية ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان وَعَلَى اللَّهِ وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه. يقال غلّ شيئا من المغنم غلولا وأغلّ إغلالا، إذا أخذه في خفية. يقال أغلّ الجازر، إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد. والغل: الحقد الكامن في الصدر. ومنه قوله صلى اللَّه عليه وسلم «من بعثناه على عمل فغلّ شيئا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه «١» » وقوله صلى اللَّه عليه وسلم «هدايا الولاة غلول «٢» » وعنه «ليس على المستعير غير المغل ضمان «٣» » وعنه «لا إغلال ولا إسلال «٤» » ويقال: أغله إذا وجده غالا، كقولك: أبخلته وأفحمته «٥» . ومعنى وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وما صحّ له ذلك، يعنى أن النبوة تنافى الغلول، وكذلك من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى معنى الأوّل، لأن معناه: وما صح له أن يوجد غالا، ولا يوجد غالا إلا إذا كان غالا.

وفيه وجهان: أحدهما أن يبرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «٦» من ذلك وينزه وينبه على عصمته


(١) . أخرجه ابن ماجة من حديث عبد اللَّه بن أنيس، أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة فقال عمر «ألم تسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة: أنه من غل بعيرا. أو شاه أتى به يوم القيامة فقال له عبد اللَّه بن أنيس: بلى» وفي الصحيحين عن أبى حميد الساعدي «أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله. الحديث: وفيه، فو الذي نفس محمد بيده لا يعمل أحدكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه» ،
(٢) . رواه أحمد، والبزار، والطبراني من حديث أبى حميد الساعدي بلفظ «هدايا العمال» وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة عنه. قال البزار: أخطأ فيه إسماعيل سندا ومتناً. وإنما أراد حديث الزهري عن عروة، عن أبى حميد باللفظ الماضي. وكذا عده ابن عدى في منكرات إسماعيل بن عياش. وقال عبد الرزاق: حدثنا سفيان الثوري عن أبان بن أبى عياش عن أبى نصيرة عن جابر بلفظ «الهدايا للأمراء غلول» رواه إسحاق أخبرنا وكيع حدثنا سفيان عمن حدثه عن أبى نضرة به. قال البزار: أبان متروك. ثم ساقه من رواية قيس بن الربيع عن ليث بن أبى سليم. عن عطاء عن جابر به. وأخرجه ابن عدى في ترجمة أحمد بن معاوية الباهلي من روايته عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه. وقال: هذا حديث باطل. وذكر الطبراني في الأوسط، أن أحمد بن معاوية تفرد به.
(٣) . أخرجه البيهقي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد «وليس على المستودع غير المغل ضمان» قال البيهقي: هذا ضعيف والمحفوظ أنه من قول شريح.
(٤) . أخرجه أبو داود وأحمد من رواية الزهري عن عروة عن المسور ومروان في حديث. ورواه الدارمي والطبراني وابن عدى من رواية كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده رفعه «لا نهب ولا إسلال ولا إغلال ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة» ورواه ابن زنجويه في الأموال، وابراهيم الحربي في الغريب من رواية موسى بن عبيدة عن أبان بن سلمة عن أبيه. وموسى ضعيف.
(٥) . قوله «كقولك أبخلته وأفحمته» في الصحاح: أفحمته: أى وجدته مفحما لا يقول الشعر. (ع)
(٦) . قال محمود: «فيه توجيهان: أحدهما أن يكون ذلك تنزيها لرسول اللَّه عليه الصلاة والسلام … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: حمل الآية على الوجه الثاني يشهد له ورود هذه الصيغة كثيراً في النهى في أمثال قوله تعالى: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ، (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) ، (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) إلى غير ذلك. على أن الزمخشري حاف في العبارة إذ يقول: عبر عن الحرمان بالغلول تغليظاً وتقبيحاً، وما كان له أن يعبر عن هذا المعنى بهذه العبارة، فان عادة لطف اللَّه تعالى برسوله صلى اللَّه عليه وسلم في التأديب أن يكون ممزوجا بغاية التخفيف والتعطف. ألا ترى إلى قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قال بعض العلماء: بدأه بالعفو قبل العتب. ولو لم يبدأه بالعفو لانفطر قلبه صلى اللَّه عليه وسلم.