للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولادهن مجرى أولادكم، كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم. وعن على رضى اللَّه عنه: أنه شرط ذلك في التحريم. وبه أخذ داود. فإن قلت: ما معنى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ؟ قلت: هي كناية عن الجماع، كقولهم: بنى عليها وضرب عليها الحجاب يعنى أدخلتموهن الستر. والباء للتعدية واللمس. ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبى حنيفة. وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه خلا بجارية فجردها، فاستوهبها ابن له فقال: إنها لا تحلّ لك. وعن مسروق أنه أمر أن تباع جاريته بعد موته وقال: أما إنى لم أصب منها إلا ما يحرمها على ولدى من اللمس والنظر. وعن الحسن في الرجل يملك الأمة فيغمزها لشهوة أو يقبلها أو يكشفها: أنها لا تحل لولده بحال وعن عطاء وحماد بن أبى سليمان: إذا نظر إلى فرج امرأة فلا ينكح أمّها ولا ابنتها. وعن الأوزاعى: إذا دخل بالأم فعرّاها ولمسها بيده وأغلق الباب وأرخى الستر، فلا يحلّ له نكاح ابنتها. وعن ابن عباس وطاوس وعمرو بن دينار: أن التحريم لا يقع إلا بالجماع وحده الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ دون من تبنيتم. وقد تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب حين فارقها زيد بن حارثة «١» ، وقال عزّ وجلّ (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) . وَأَنْ تَجْمَعُوا في موضع الرفع عطف على المحرمات، أى وحرّم عليكم الجمع بين الأختين. والمراد حرمة النكاح، لأنّ التحريم في الآية تحريم النكاح وأما الجمع بينهما في ملك اليمين، فعن عثمان وعلى رضى اللَّه عنهما أنهما قالا: أحلتهما آية وحرّمتهما آية «٢» يعنيان هذه الآية وقوله: (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فرجح على التحريم، وعثمانُ التحليل «٣» . إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ «٤» ولكن ما مضى مغفور بدليل قوله إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً


(١) . متفق عليه من حديث أنس بغير هذا اللفظ.
(٢) . أما حديث عثمان ففي الموطأ عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب «أن عثمان سئل عن الأختين مما ملكت اليمين فقال: لا آمرك ولا أنهاك، أحلتهما آية وحرمتهما أخرى» وأخرجه الشافعي عن مالك وابن أبى شيبة من طريق مالك والدارقطني من طريق معمر عن الزهري وهو أشبه بلفظ المصنف. وأما حديث على فرواه البزار وابن أبى شيبة وأبو يعلى من رواية أبى صالح الحنفي قال قال على للناس: سلوني فقال ابن الكواء حدثنا يا أمير المؤمنين عن الأختين المملوكتين. قال: أحلتهما آية وحرمتها أخرى وإنى لا أحله ولا أنهى عنه ولا أفعله أنا ولا أحد من أهل بيتي.
(٣) . أما عثمان فلم أجد عنه التصريح بالتحليل وإنما توقف، وأما على ففي رواية الموطأ ثم خرج السائل فلقى رجلا من الصحابة قال الزهري أحسبه قال على فسأله فقال له. ولكنى أنهاك ولو كان لي سبيل على فعله لجعلته نكالا.
(٤) . قال أحمد: موقع هذا الاستثناء كموقع نظيره المقدم ذكره عند قوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء على الوجه الذي بينت، وهو أن هذا النهى لكونه جديرا بأن يمتثل أجرى مجرى الاخبار عن امتثاله، حتى كأنه قيل: لا يقع شيء من هذه المحرمات إلا السالف منها لا غير. أو على الوجه الذي بينه الزمخشري فيما تقدم، وهو أن يكون المراد إلا ما قد سلف فانه غير محرم فتعاطوه إن كان ممكنا، من باب التعليق على المحال بتا للتحريم، إلا أن الزمخشري لم يسلك هذا المسلك هاهنا لأن قوله: (إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يرشد إلى أن المراد إلا ما قد سلف فانه مغفور لاستثنائه في الآية الأولى لأنه عقبه ثم بقوله: (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا) فقدر في كل آية ما يناسب سياقها، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.