للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا وشربوا، فلما ثملوا وجاء وقت صلاة المغرب قدموا أحدهم ليصلى بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، فنزلت. فكانوا لا يشربون في أوقات الصلوات، فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون. ثم نزل تحريمها «١» . ومعنى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ لا تغشوها ولا تقوموا إليها واجتنبوها. كقوله: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) ، (لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) . وقيل معناه:

ولا تقربوا مواضعها وهي المساجد، لقوله عليه الصلاة والسلام: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم «٢» » وقيل: هو سكر النعاس وغلبة النوم، كقوله:

............ وَرَانُوا … بِسُكْرِ سِنَاتِهِمْ كُلَّ الرُّيُونِ «٣»

وقرئ: سكارى، بفتح السين. وسكرى، على أن يكون جمعا، نحو: هلكى، وجوعى،


(١) . أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وأحمد وعبد بن حميد والبزار والحاكم والطبري نحوه دون قوله «فكانوا لا يشربون الخ. كلهم من طريق عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على. واختلف على عطاء في اسم الداعي، وفي اسم المصلى. ففي رواية أبى جعفر الرازي عنه عند الترمذي: صنع لنا عبد الرحمن، وكذا الحاكم من طريق خالد الطحان عنه. وعند أبى داود «أن رجلا دعاه وعبد الرحمن. وللحاكم من رواية الثوري عن عطاء «دعانا رجل من الأنصار» . وللترمذي عن على «فقدموني» ولأبى داود «فقدموا عليا» وللنسائى من طريق أبى جعفر أيضا «فقدموا عبد الرحمن بن عوف» وأبهمه البزار. وكذا الحاكم. وللطبري عن الثوري. وللطبري أيضا عن حماد بن سلمة وللحاكم عن خالد (تنبيه) قوله «فكانوا لا يشربون إلى آخره» لم أجده.
(٢) . أخرجه ابن عدى من حديث أبى هريرة وفيه عبد اللَّه بن محرور هو بمهملات وقرن محمد، وهو ضعيف وفي الباب عن ثوبان ومعاذ وأبى الدرداء وأبى أمامة وواثلة. فحديث ثوبان في ابن ماجة بلفظ «جنبوا مساجدنا صبيانكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم، ورفع أصواتكم … الحديث» وحديث معاذ رواه عبد الرزاق من رواية مكحول عنه وهو منقطع. وحديث الباقين رواه الطبراني والعقيلي وابن عدى من رواية مكحول عنهم وفيه العلاء ابن كثير وهو ضعيف.
(٣) . رانوا: تغطت قلوبهم بالسكر كما يغطى الحديد بالصدإ. والسنات: جمع سنة من وسن كعدة من وعد، وهي فتور العين وغفلة القلب أول النوم. والريون: جمع رين، وهو على القلب كالصدإ على الحديد، ورأيت في الأساس للطرماح ما يشبه أن يكون أصل ذلك وهو قوله:
وركب قد بعثت إلى ردايا … طلائح مثل أخلاق الجفون
مخافة أن يرين النوم فيهم … بسكر سناته كل الريون
والردايا جمع ردية، كقضايا وقضية، التي أصابها الردى. والطلائح- جمع طليحة أو طليح-: المهازيل. وأخلاق:
جمع خلق، كسبب وهو الشيء البالي. وأضاف السنة لضمير النوم، لأنها أوله فنسبت إليه.