أقول وقد ناحت بقربى حمامة … أيا جارتا هل بات حالك حالى معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى … وما خطرت منك الهموم ببال أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا … تعالى أقاسمك الهموم تعالى تعالى ترى روحا لدى ضعيفة … تردد في جسم يعذب بالي أيضحك مأسور وتبكى طليقة … ويسكت محزون ويندب سالى لقد كنت أولى منك بالدمع والبكا … ولكن دمعي في الشدائد غالى للهمدانى بالهاء. وبعضهم يرويه بالحاء، وكان أسيرا. وبات: أى صار حالك كحالي في الضيق والحزن، والاستفهام إنكارى. ويروى بدله «هل تعلمين بحالي» ونسبة العلم إليها لتنزيلها منزلة العاقل كما في ندائها. وقال «معاذ الهوى» كما يقال «معاذ اللَّه» لعظمة الهوى عنده، وهو مصدر نائب عن فعله، أى ألتجئ إلى الهوى، من دعوى أنك مثلي، «ما ذقت» يا حمامة «طارقة» الفراق وشبهها بمطعوم مكروه والذوق تخييل. «وما خطرت الهموم ببال» أى بقلب منك. وأيا: حرف نداء. و «جارتا» أصله جارتى، فقلبت الياء ألفاً لرفع الصوت. وتكرير النداء فيه معنى التحسر. وادعاء بلادتها بعد تنزيلها منزلة العاقل بعيد «ما أنصف الدهر بيننا» حيث أطلقك وأسرك وأسرنى وأحزننى. والقياس في تعالى- أمر للمؤنثة، وفي تعاليا للمثنى، وفي تعالوا لجمع الذكور- فتح اللام على أصلها لأنها عين الفعل، والضمير تال للامه المقدرة، وأهل مكة يكسرون الأولى لمناسبة الياء، ويضمون الثانية لمناسبة الواو تنزيلا لها منزلة لام الفعل. ومنه قوله «أقاسمك الهموم» فلي النصف ولك الآخر. فان قيل: إن قائل هذا الشعر مولد فلا يستشهد بكلامه. قلت: أجيب بأن إيراده من قبيل الاستثناء لا من قبيل الاستبدال. ومذهب الزمخشري أن «هات» بالكسر بمعنى ناولني، و «تعالى» بالفتح دائما على اللغة المشهورة بمعنى أقبل إلى، كلاهما اسم فعل لا فعل أمر، ولعله لعدم تصرفها في هذين المعنيين. وأغرب منه ما نقله السيوطي عن بعضهم: أن أدوات النداء أسماء أفعال متجملة لضمير المتكلم بمعنى أدعو. وقوله «ترى» بفتح الراء على اللغة الأولى، وبكسرها على الثانية. وتكرير الأمر كتكرير النداء. ومعنى ضعف الروح: عجز حواسها عن الإدراك. و «تردد» أصله: تتردد «بالي» أى نحيل. وقوله «أيضحك» استفهام تعجبي بالنسبة للجملة الأولى، وتوبيخي بالنسبة للثانية، وكذلك المصراع الثاني. ويجوز أنه تعجبي في الجميع، أو توبيخي في الجميع وهو أبعدها، ويعنى بالمأسور والمحزون نفسه. وبالطليقة والسالى الحمامة. ويجوز أنه أراد العموم ويدخلان فيه دخولا أوليا. و «المأسور» المحبوس وحزنه: لغة قريش. وأحزنه: لغة تميم. ومحزون من الأول. والندبة: رفع الصوت بالبكاء، والمراد به النوح السابق. والسالى: الصابر وقليل الهموم. والدمع: ماء العين ونزوله منها. والمراد الثاني. وروى «بالدمع مقلة» فمقلة تمييز، والأصل: لقد كانت مقلتي أولى من مقلتك بالدمع. و «غالى» مرتفع وممتنع لتجلد الشامتين.