(٢) . عاد كلامه. قال محمود: «فان قلت كيف يكون للناس على اللَّه حجة قبل الرسل … الخ» قال أحمد: قاعدة المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين تجرهم وتجرؤهم إلى إثبات أحكام اللَّه تعالى بمجرد العقل وإن لم يبعث رسولا، فيوجبون بعقولهم، ويحرمون ويبيحون على وفق زعمهم. ومما يوجبونه قبل ورود الشرع: النظر في أدلة المعرفة ولا يتوقفون على ورود الشرع الموجب، فمن ثم يلزمون بعد خبط وتطويل، أن من ترك النظر في الأدلة قبل ورود الشرع، فقد ترك واجباً استحق به التعذيب، وقد قامت الحجة عليه في الوجوب وإن لم يكن شرع، وإذا تليت عليهم هذه الآية وهي قوله: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وقيل لهم أما هذه الآية تناديكم يا معشر القدرية أن الحجة إنما قدمت على الخلق بالأحكام الشرعية المؤدية إلى الجزاء بإرسال الرسل لا بمجرد العقل، فما تقولون فيها؟ صمت حينئذ آذانهم وغيروا في وجه هذا النص وغيروه عما هو موضوع له، فقالوا: المراد أن الرسل تتمم حجة اللَّه وتنبه على ما وجب قبل بعثها بالعقل، كما أجاب به الزمخشري، وقريبا من هذا التعسف يقولون إذا ورد عليهم قوله تعالى: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وربما يدلس على ضعفة المطالعين لهذا الفصل من كلام الزمخشري قوله: إن أدلة التوحيد والمعرفة منصوبة قبل إرسال الرسل، وبذلك تقوم الحجة فنظن أن ذلك جار على سنن الصحة، إذ المعرفة باتفاق، والتوحيد بإجماع، إنما طريقه العقل لا النقل الذي يلبس عليه أن النظر في أدلة التوحيد هو فعل المكلف ليس بالحكم الشرعي، بل الحكم وجوب النظر، والمعرفة متلقاة من العقل المحض، والوجوب متلقى من النقل الصرف، وبه تقوم الحجة، وعليه يرتب الجزاء. واللَّه سبحانه ولى التوفيق والمعونة. (٣) . قوله «كما ترى علماء أهل العدل» أى كما ذهب إليه المعتزلة. وذلك أنهم حكموا العقل وجعلوه كافيا في معرفة الأحكام، كوجوب العدل وحرمة الظلم. وقال أهل السنة: لا حكم قبل الشرع. والمسألة مشهورة في علم الأصول، فالسؤال مبنى على مذهب المعتزلة. (ع)