للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهلهم. وفي ذلك تسلية للعالم مما يلقى من الجهلة. فإن قلت: كيف صح أن يسند «قيل» إلى «لا تفسدوا، وآمنوا» وإسناد الفعل إلى الفعل مما لا يصح؟ قلت: الذي لا يصح هو إسناد الفعل إلى معنى الفعل، وهذا إسناد له إلى لفظه، كأنه قيل: وإذا قيل لهم هذا القول وهذا الكلام. فهو نحو قولك: «ألف» ضرب من ثلاثة أحرف. ومنه: زعموا مطية الكذب «١» .

و «ما» في «كما» يجوز أن تكون كافة مثلها في: (رُبَما) ، ومصدرية مثلها في: (بِما رَحُبَتْ) .

واللام في «الناس» للعهد، أى كما آمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن معه. أو هم ناس معهودون كعبد اللَّه بن سلام وأشياعه لأنهم من جلدتهم ومن أبناء جنسهم، أى: كما آمن أصحابكم وإخوانكم، أو للجنس أى: كما آمن الكاملون في الإنسانية. أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة، ومن عداهم كالبهائم في فقد التمييز بين الحق والباطل.

والاستفهام في أَنُؤْمِنُ في معنى الإنكار. واللام في السُّفَهاءُ مشاربها إلى الناس، كما تقول لصاحبك: إن زيداً قد سعى بك، فيقول: أو قد فعل السفيه. ويجوز أن تكون للجنس، وينطوى تحته الجاري ذكرهم على زعمهم واعتقادهم لأنهم عندهم أعرق الناس في السفه. فإن قلت: لم سفهوهم واستركوا عقولهم، وهم العقلاء المراجيح؟

قلت: لأنهم لجهلهم وإخلالهم بالنظر وإنصاف أنفسهم، اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق وأن ما عداه باطل، ومن ركب متن الباطل كان سفيها ولأنهم كانوا في رياسة وسطة في قومهم ويسار، وكان أكثر المؤمنين فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال وخباب، فدعوهم سفهاء تحقيرا لشأنهم. أو أرادوا عبد اللَّه بن سلام وأشياعه ومفارقتهم دينهم وما غاطهم من إسلامهم وفت في أعضادهم. قالوا ذلك على سبيل التجلد توقياً من الشماتة بهم مع علمهم أنهم من السفه بمعزل، والسفه سخافة العقل وخفة الحلم. فان قلت: فلم فصلت هذه الآية ب: (لا يَعْلَمُونَ) ، والتي قبلها ب: (لا يَشْعُرُونَ) ؟ قلت: لأن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحقّ وهم على الباطل، يحتاج إلى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة.

وأما النفاق وما فيه من البغي المؤدّى إلى الفتنة والفساد في الأرض فأمر دنيوىّ مبنى على


(١) . أخرجه ابن سعد في الطبقات من رواية الأعمش عن شريح قال: زعموا كنية الكذب. وقد ذكره المصنف مرفوعا في سورة التغابن ولم أجده بهذا اللفظ. والذي في الأدب المفرد للبخاري من حديث أبى مسعود الأنصارى رضى اللَّه عنه مرفوعا: «بئس مطية الرجل زعموا» وكذا أخرجه أحمد وإسحاق وأبو يعلى، وهو من رواية أبى قلابة عنه. وفي رواية البخاري بين أبى قلابة وبين أبى مسعود: أبو المهلب.