حُرُمٌ محرمون، جمع حرام، كردح في جمع رداح. والتعمد: أن يقتله وهو ذاكر لإحرامه، أو عالم أن ما يقتله مما يحرم عليه قتله، فإن قتله وهو ناس لإحرامه أو رمى صيداً وهو يظن أنه ليس بصيد فإذا هو صيد، أو قصد برميه غير صيد فعدل السهم عن رميته فأصاب صيدا فهو مخطئ. فإن قلت: فمحظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ، فما بال التعمد مشروطاً في الآية؟ قلت: لأن مورد الآية فيمن تعمد فقد روى أنه عنّ لهم في عمرة الحديبية حمار وحش، فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله، فقيل له: إنك قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت ولأن الأصل فعل التعمد، والخطأ لاحق به للتغليظ. ويدل عليه قوله تعالى:(لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ)(وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) وعن الزهري: نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطإ وعن سعيد بن جبير: لا أرى في الخطإ شيأ أخذا باشتراط العمد في الآية. وعن الحسن روايتان فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ برفع جزاء ومثل جميعاً، بمعنى: فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد، وهو عند أبى حنيفة قيمة المصيد يقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدى، تخير بين أن يهدى من النعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشترى بقيمته طعاماً، فيعطى كل مسكين نصف صاع من برّ أو صاع من غيره، وإن شاء صام عن طعام كل مسكين يوماً، فإن فضل ما لا يبلغ طعام مسكين صام عنه يوماً أو تصدّق به. وعند محمد والشافعي رحمهما اللَّه مثله نظيره من النعم، فإن لم يوجد له نظير من النعم عدل إلى قول أبى حنيفة رحمه اللَّه. فإن قلت: فما يصنع من يفسر المثل بالقيمة بقوله مِنَ النَّعَمِ وهو تفسير للمثل، وبقوله: هدياً بالغ الكعبة؟ قلت: قد خير من أوجب القيمة بين أن يشترى بها هدياً أو طعاماً أو يصوم، كما خير اللَّه تعالى في الآية، فكان قوله:(مِنَ النَّعَمِ) بياناً للهدى المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير لأن من قوم الصيد واشترى بالقيمة هدياً فأهداه، فقد جزى بمثل ما قتل من النعم. على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزى بالهدى أو يكفر بالإطعام أو بالصوم، إنما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسف إذا قوّم ونظر بعد التقويم أىّ الثلاثة يختار، فأما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير- فإذا كان شيئاً لا نظير له قوّم حينئذ، ثم يخير بين الإطعام والصوم- ففيه نبوّ عما في الآية. ألا ترى إلى قوله تعالى:(أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) كيف خير بين الأشياء الثلاثة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم. وقرأ عبد اللَّه: فجزاؤه مثل ما قتل، وقرئ. فجزاء مثل ما قتل، على الإضافة، وأصله. فجزاء مثل ما قتل، بنصب مثل بمعنى: فعليه أن يجزى مثل ما قتل، ثم أضيف كما تقول: