للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (إِذْ قالَ) فإذن إنّ دعواهم كانت باطلة، وإنهم كانوا شاكين، وقوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه: اتقوا اللَّه ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة. وقرئ:

هل تستطيع ربك، أى هل تستطيع سؤال ربك، والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله. والمائدة: الخوان «١» إذا كان عليه الطعام، وهي من «مادّه» إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل، أو نكون من الشاهدين للَّه بالوحدانية ولك بالنبوّة، عاكفين عليها، على أن عليها في موضع الحال، وكانت دعواهم لإرادة ما ذكروا كدعواهم الايمان والإخلاص. وإنما سأل عيسى وأجيب ليلزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا. وقرئ: ويعلم، بالياء على البناء للمفعول. وتعلم. وتكون، بالتاء. والضمير للقلوب اللَّهُمَّ أصله يا اللَّه، فحذف حرف النداء، وعوضت منه الميم. ورَبَّنا نداء ثان تَكُونُ لَنا عِيداً أى يكون يوم نزولها عيدا. قيل: هو يوم الأحد. ومن ثم اتخذه النصارى عيداً، وقيل: العيد السرور العائد، ولذلك يقال: يوم عيد، فكأنّ معناه: تكون لنا سروراً وفرحا. وقرأ عبد اللَّه: تكن، على جواب الأمر. ونظيرهما، يرثني، ويرثني لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من لنا بتكرير العامل، أى لمن في زماننا من أهل ديننا، ولمن يأتى بعدنا. وقيل: يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم: ويجوز المقدّمين منا والأتباع. وفي قراءة زيد: لأولانا وأخرانا، والتأنيث بمعنى الأمّة والجماعة عَذاباً بمعنى تعذيباً. والضمير في: (لا أُعَذِّبُهُ) للمصدر. ولو أريد بالعذاب ما يعذب به، لم يكن بدّ من الباء. وروى أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفا، ثم قال: اللهم أنزل علينا، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلنى من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، وقال لهم: ليقم أحسنكم عملا يكشف عنها ويذكر اسم اللَّه عليها ويأكل منها. فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك، فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم اللَّه خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسما. وعند


(١) . قوله «والمائدة الخوان» في الصحاح «الخوان» بالكسر: الذي يؤكل عليه، معرب. وقوله «من مادة» الذي في الصحاح «ماد الشيء» تحرك. و «مادت الأغصان» تمايلت اه. (ع)