ابن جنى قول أبى الطيب: … أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبى عدولا عن لفظ الغيبة لو كان إلى أدبه، وهذه الآية والرجز العلوي كفيلان بتحسين ما ارتكبه أبو الطيب. (٢) . أنا الذي سمتن أمى حيدره … كليث غابات كريه المنظرة أو فيهم بالصاع كيل السندره … أضربكم ضربا يبين الفقرة للإمام على رضى الله عنه حين بارز مرحبا اليهودي يوم خيبر، فقال مرحب: قد علمت خيبر أنى مرحب … شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلتهب فأجابه على بذلك «وكانت أمه فاطمة بنت أسد سمته كاسم أبيها، لأن «حيدرة» من أسماء الأسد، فلما حضر أبو طالب سماه علياً. وسمى الأسد «حيدرة» لشدة انحداره على من يصول عليه. والليث: اسم جامد له، واشتقوا منه، لا ينه إذا عامله معاملة الليث. والغابة: بيته الذي يغيب فيه. والسندرة: اسم امرأة كانت تبيع البر وتوفى الكيل، أو مكيال كبير. وكان الظاهر أن يقول: الذي سمته أمه ليطابق الضمير مرجعه وهو الموصول في الغيبة. ولكن أتى بضمير التكلم ذهابا إلى المعنى. وحسنه تقدم ضمير المتكلم، أى أنا الشجاع الذي ظهرت على أمارة الشجاعة من صغرى، فسمتني أمى باسم الأسد، ولا أكذبها في ظنها، وأنا كليث غابات منظرته كريهة لعبوسى في وجه عدوى، ثم قال: أوفى الأعداء، أى أعطيهم عطاء وافياً. وكيل السندرة: نصب به على المفعول المطلق، أو بمقدر: أى أكيل لهم مثل كيل تلك المرأة في الوفاء، أو أعطيهم بالصاع الصغير كيل المكيال الكبير. ويروى: أو فيهم بالسيف. وهذا من باب الاستعارة التمثيلية التهكمية، شبه هيئة إيصاله الطعان إلى الأعداء بكثرة في مقابلة مكروه يفرط منهم. بهيئة إيصال البر بالكيل في مقابلة ثمنه، وإن كان البر محبوبا والطعن مكروها، والتفت مفسراً ذلك بقوله أضربكم ضرباً يبين، أى يفصل الفقرة: جمعها فقار، وفقرات. وهي عظام الظهر، وقد علمت خيبر، أى أهلها. وشاكي السلاح. حاده وتلمه. يجوز أنه نعت مرحب. ويجوز أنه خبر بعد خبر. وبطل مجرب: خبر بعد خبر لا غير. واستعار الالتهاب لاشتداد الحروب على طريق التصريح.