للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرض رأس النفاق عبد الله بن أبىّ بعث إليه ليأتيه، فلما دخل عليه قال: أهلكك حب اليهود.

فقال: يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتؤنبنى «١» وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده ويصلى عليه، فلما مات دعاه ابنه حباب إلى جنازته، فسأله عن اسمه فقال: أنت عبد الله ابن عبد الله. الحباب اسم شيطان. فلما همّ بالصلاة عليه قال له عمر: أتصلي على عدوّ الله، فنزلت وقيل: أراد أن يصلى عليه فجذبه جبريل «٢» . فإن قلت: كيف جازت له تكرمة المنافق وتكفينه في قميصه؟ قلت: كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له. وذلك أن العباس رضى الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ اسيراً ببدر لم يجدوا له قميصاً وكان رجلا طوالا «٣» ، فكساه عبد الله قميصه «٤» وقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد «٥» ولكنا نأذن لك، فقال:

لا، إن لي في رسول الله أسوة حسنة «٦» فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك، وإجابة له إلى مسألته إياه، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يرد سائلا، وكان يتوفر على دواعي المروءة ويعمل بعادات الكرام، وإكراماً لابنه الرجل الصالح، فقد روى أنه قال له: أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك، وأن تقوم على قبره، لا يشمت به الأعداء «٧» ، وعلماً بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره، فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان، وليكون إلباسه إياه لطفاً


(١) . قوله «لا لتؤنبنى» أى تعنفني باللوم. [.....]
(٢) . أخرجه أبو يعلى من رواية يزيد الرقاشي عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلى على عبد الله بن أبى فأخذ جبريل بثوبه وقال وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ويزيد ضعيف.
(٣) . قوله «وكان رجلا طوالا» في الصحاح: الطوال- بالضم: الطويل. (ع)
(٤) . أخرجه البخاري من رواية عمرو بن دينار سمع جابراً «لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم قميصا. فوجدوا قميص عبد الله بن أبى يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه. قال ابن عتبة كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد فأحب أن يكافئه. ورواه الحاكم في المستدرك من حديث جابر وأدرج فيه الكلام الأخير.
(٥) . قوله «إنا لا نأذن لمحمد» أى في دخوله مكة. (ع)
(٦) . أخرجه الوافدى في المغازي: حدثنا جابر بن سليم عن صفوان بن عثمان قال «كانت قريش يوم الحديبية أرسالات إلى عبد الله بن أبى: إن أحببت أن تدخل فتطوف فافعل. وابنه جالس عنده. فقال له ابنه: يا أبت اذكر الله أن تطوف بالبيت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ابن أبى وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه فسر» .
(٧) . لم أجده. وأصل سؤال ابنه في الصحيح كما تقدم.