فَذهب قوم إِلَى انه تخفيفٌ بدلِيٌّ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي قَوْله: كأنْ لم تَرَى قبْلي أَسيراً يمَانِيا وَقد أبان أَبُو عَليّ وجهَ الْفساد هُنَاكَ فَلذَلِك نستغني عَن كشفه هُنَا وأشرح الْبَيْت لما فِيهِ من الْإِشْكَال الأَصْل فِي أُوْرا بهَا: أُوْرَاْ بهَا وَلَا يجوز الْهَمْز فِي الْبَيْت لِأَن القصيدة مُرْدَفة لَا بدَّ من ألف قبل حرف الرَّوِيِّ وَهُوَ الْبَاء وَلَو همز لم يجُزْ أَن تكون الْهمزَة رِدْفاً، وَمعنى قَوْله لم أُورا بهَا: لم أعلَمْ بهَا، قَالَ لبيد يصف النَّاقة: تَسْلُبُ الكانِسَ لم يؤْرا بهَا شُعْبَةَ السّاقِ إِذا الظِّلُّ عَقَلْ وَهَذَا الْبَيْت يجوز فِيهِ أَرْبَعَة أوجه، يجوز لم أُورأ بهَا مِثَال لم أُورَعْ بهَا مَعْنَاهُ لم يشْعر بهَا وَهُوَ من الوراءِ اشتقاقه كَأَنَّهُ قَالَ لم يشْعر بهَا من وَرَائه وَهَذَا على مَذْهَب من يَجْعَل الْهمزَة فِي وَرَاء أصلا وَيَقُول فِي تصغيره وُرَيِئّة تَقْدِيره وُرَيِعّة، وَتقول فِي تصريف الْفِعْل مِنْهَا وَرَّأْتْ بِكَذَا وَكَذَا كَأَنَّهُ قَالَ ساتَرْت بِكَذَا وَكَذَا وَمِنْه الحَدِيث: (أَن النبيَّ صلّى الله عَلَيْهِ وسلّم كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا ورَّأَ بِغَيْرِهِ) وَأَصْحَاب الحَدِيث لم يضبطوا الْهَمْز فِيهِ، وَالْوَجْه الثَّانِي من هَذَا الْمَعْنى أَن تجعَلَ الهمزةَ غير أصليّة وتجعلها منقلبة من واوٍ أَو ياءٍ تَقول لم يُورَ بهَا وَتجْعَل وراءِ مثلَ عطاءِ والهمزة منقلبة، وَمن قَالَ هَذَا قَالَ فِي تَصْغِير وَراء وُرَيَّة وَأَصله وُرَيِّيَة وَتسقط وَاحِدَة مِنْهَا كَمَا قلت فِي عطاءٍ عُطَيٌّ وَالْأَصْل عُطَيِيٌّ وَفِي عَظاءةَ عُظَيَّة وَالْأَصْل عُظَيِيَّة وَتقول وَرَّيْت عَن كَذَا وَكَذَا بِغَيْر همز وَيجوز أَن يُقَال يوأَرْ بهَا تَقْدِيره يوعَرْ بهَا وَفَاء الْفِعْل مِنْهُ واوٌ وَمَعْنَاهُ لم يُذْعَرْ بهَا وَهُوَ مشتقٌّ من الإرَة والإرَة: النَّار وَهِي مثل عِدَّة وَأَصلهَا وِئْرَة وحذفت الْوَاو وأُبقِي كسرتها مَعَ الْهمزَة وَمَعْنَاهَا أَنه لم يُصبْه حَرُّ الذُّعْر وَيجوز أَن يُقَال تسلب الكانسَ لم يُؤَرْ بهَا تَقْدِيره لم يُعَرْ بهَا وَهُوَ مأخوذٌ من الأُوار: وَهُوَ حَرُّ الشَّمْس وَفَاء الْفِعْل من هَذَا همزَة وعينه أَو لامه راءٌ كَأَن فعله آرَ يَؤورُ وَمَا لم يُسَمَّ فَاعله إيرَ يُؤَار مثل قيل يُقَال فَهَذَا مَا سقط إليَّ من تَعْلِيل أبي عَليّ وَأبي سعيد رحمهمَا الله هَذَا شَيْء عرَضَ. قَالَ ابْن جني: فَأَما قَوْله: يُريدُ أَن يأخُذَ بالجِزاف فكانَ ذُو العَرْشِ بِنَا أَرافي فوجهه عِنْدِي أَنه أَرَادَ أرْأَفُ ثمَّ زَاد الياءَ على مَا نَحن بسبيله فَصَارَ أرْأفِيُّ ثمَّ خفَّف الْهمزَة على مَا تقدم فَصَارَ أرافِيُّ ثمَّ خفف الْيَاء كَمَا خفّفها الآخر فِي قَوْله: بَكِّي بعينِكِ واكِفَ القَطْر ابنَ الحَوارِي العاليَ الذِّكْرِ أَرَادَ الحواريَّ فَحذف الْيَاء الأولى لَا الْآخِرَة هَذَا الْوَجْه وَقد يُمكن أَن يكون حذف الثَّانِيَة وَالْأولَى أقوى وَبَقِي الْيَاء بعد الْفَاء وَصلا وإطلاقهما فَصَارَ أرافي ثمَّ نعود إِلَى الْبَاب وَأما قَوْلهم المَلَك فَإِن أَصله الهمزُ لِأَنَّهُ من الأَلُوك والمألُكَة: وَهِي الرسَالَة وَإِنَّمَا أَصله مَلأَك تخفيفه قياسيّ وَإِنَّمَا ذكرته لمُضارَعته مُضارعَ رَأَى فِي أنَّ اسْتِعْمَاله جَرى بتَرْك الْهَمْز فِي الْأَكْثَر والأغلب، وملَكٌ أَصله مألَك على نظم حُرُوف الأَلوك ثمَّ قلبت الْهمزَة الَّتِي هِيَ الْفَاء إِلَى مَوضِع الْعين.
وَمِمَّا هَمَزَه بعض الْعَرَب وَترك هَمْزَه بَعضهم وَالْأَكْثَر الْهم
ز قَالُوا عَظاءةٌ وعَظايَةٌ وصَلاءة وصلايَة وعباءَ ةٌ وعبايَةٌ وسَقّاءَ ةٌ وسقّايَةٌ وامرأةٌ رَثّايَة ورَثّاءَ ةٌ فَمن همز فعلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute