(صَغِيرُهُمْ وشَيْخُهُمْ سَوَاءٌ ... هُمُ الجَمَّاءُ فِي اللُّؤْمِ الغَفِيرِ)
وَأما قولُهم مررتُ بهم قاطبةً ومررت بهم طُرًّا فعلى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل هما فِي مَوضِع مصدرين وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ وَذَلِكَ أَن قاطبةَ وَإِن كَانَ لفظُها لفظَ الصِّفَات كَقَوْلِنَا ذَاهِبَة وقائمة وَمَا أشبه ذَلِك وطُرًّا وَإِن كَانَ لفظُها لفظَ صُفْراً وشُهْباً وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن لَا يجوز حملُها إِلَّا على الْمصدر وَقَالَ إِنَّا رَأينَا المصادر قد يَخْرُجْنَ عَن التَّمَكُّن حَتَّى يستعملن فِي مَوضِع لَا تتجاوزه كَقَوْلِنَا سُبْحَانَ الله وَلَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا مصدرا فِي التَّقْدِير ولَبَّيْكَ وحَنَانَيْكَ وَمَا جَرَى مجراهما مصادرُ لَا يستعملنَ إِلَّا منصوباتِ وَلم نَرَ الصِّفَات يخْرجن عَن التَّمَكُّن فَلذَلِك حمل سِيبَوَيْهٍ قاطبةٌ وطُرًّا على الْمصدر وصارا بِمَنْزِلَة مصدر اسْتُعْمِلَ فِي مَوضِع الْحَال وَلم يَتَجَاوَزَا ذَلِك الموضِعَ كَمَا لم يتَجَاوَز مَا ذَكرْنَاهُ من المصادر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
اشتقاق أَسمَاء الله عز وَجل
أَبْدَأُ بشرح مَا اسْتَفْتَحْتُ بِهِ ثمَّ أُتْبعُ ذَلِك سائرَ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى وصفاتِه العُلَى قيل فِي اشتقاق اسْم قَولَانِ: إِنَّه مُشْتَقّ من السُّمُوّ، وَالثَّانِي من السِّمة وَالْأول الصَّحِيح من قبل أَن جمعه أسماءٌ على ردِّ لَام الْفِعْل وَكَذَلِكَ تصغيره سُمَّيُّ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ إِذا حذفت فاؤه دخله ألف الْوَصْل إِنَّمَا تدخله تَاء التَّأْنِيث كالزِّنَة والعِدَةِ والصِّفَةِ وَمَا أشبه ذَلِك وَيُقَال سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا إِذا علا وَمِنْه السماءُ والسَّمَاوَةُ وَكَأَنَّهُ قيل اسْم أَي مَا علا وظهَرَ فَصَارَ عَلَماً للدلالة على مَا تَحْتَهُ من الْمَعْنى وَنَظِير الاسْمِ السِّمَةُ والعلامةُ وكل مَا يَصح أَن يُذْكَرُ فَلهُ اسْم فِي الْجُمْلَة لِأَن لَفظه شيءٌ يلْحقهُ وَأما فِي التَّفْصِيل كزيد وَعَمْرو وَمِنْهَا مَا لَا اسْم لَهُ فِي التَّفْصِيل وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ كل مَا لم يكن لَهُ اسْم عَلَمٌ يخْتَص بِهِ كالهَواء وَالْمَاء وَمَا أشبه ذَلِك والاسْمُ - كلمة تدل على الْمُسَمّى دلَالَة الإشارةِ دون الإفادةِ وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلتَ زيد فكأنك قلت هَذَا وَإِذا قلت الرجل فكأنك قلت ذَاك فَأَما دلالةَ الإفادة فَهُوَ مَا كَانَ الْغَرَض أَن تفِيد السَّامع بِهِ معنى أَو أخرجته ذَلِك الْمخْرج كَقَوْلِك قَامَ وَذهب فَأَما الأول فَإِنَّمَا الْغَرَض فِيهِ أَن تُشِير إِلَيْهِ ليتنبه عَلَيْهِ أَو تُخْرجَه ذَلِك الْمخْرج وَأَنا أكره أَن أُطِيلَ الكتابَ بِذكر مَا قد أُولِعَتْ بِهِ عامَّةٌ الْمُتَكَلِّمين من رسم الِاسْم أَو حِدِّةِ والتكلم على المُسَمَّى هُوَ الاسمُ أم غير الِاسْم والفعلُ المُصَرَّفُ من الِاسْم قولُكَ أَسْمَيْتُ وسَمَّيْتُ مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ وَبِغير حرف جر تَقول سَمَّيْتُهُ زيدا وسميته بزيد قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هُوَ كَمَا تَقول عَرَّفْتُه بِهَذِهِ الْعَلامَة وأوضحتُه بهَا وَحكى أَبُو زيد اِسْمٌ واُسْمٌ وسِمٌ وسُمٌ وَأنْشد:
(بِسْمِ الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سُمُهْ ... )
والاسمُ منقوصٌ قد حذفت مِنْهُ لَام الْفِعْل وغُيِّرَ ليكونَ فِيهِ بعضُ مَا فِي الْفِعْل من التَّصَرُّف إِذْ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ من الْحَرْف وَقيل إِن ألف الْوَصْل إِنَّمَا لحقتْهُ عِوَضاً من النَّقْصِ فَأَما الْبَاء فِي بِسم الله فَإِنَّمَا كسرت للْفرق ين مَا يَجُرُّ وَهُوَ حرف وبيْن مَا يجر مِمَّا يجوز أَن يكون اسْما ككاف التَّشْبِيه وموضعُ بِسْمِ نصبٌ كَأَنَّك قلت أبدأ بِسم الله وَلم يحْتَج إِلَى ذكر أبدا لِأَن المُسْتَفْتِحَ مُبْتَدِئٌ فالحال المشاهِدَةُ دَالَّة على الْمَحْذُوف وَيصْلح أَن يكون موضُعه رفعا على ابتدائي بِسم الله الفِعْلَ المَتروك لِأَن جَمِيع حُرُوف الْجَرّ لابد أَن تتصل بِفعل إِمَّا مَذْكُور وَإِمَّا مَحْذُوف وبسم الله يجوز أَن يكون الفعلُ المحذوفُ العاملُ فِي مَوْضِعه لفظا صيغتُه صيغةُ الْأَمر ولفظاً صيغتُه صيغةُ الْخَبَر وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمَعْنَاه معنى الْأَمر وهم مِمَّا يَضَعُون الخبرَ موضعَ الْأَمر كَقَوْلِه: اتَّقَى اللهِ امْرُؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يضعون الْأَمر مَوضِع الْخَبَر كَقَوْلِهِم أَكْرِمْ بزيد والغَرَضُ فِي بِسم الله التعليمُ لما يُسْتَفْتَحُ بِهِ الأمورُ للتبرك وَبِذَلِك والتعظيم لله عز وَجل وَهُوَ تَعْلِيم وتأديبٌ وشِعَارٌ وعَلَمٌ من أَعْلَام الدّين وعَلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute