هَذَا وتحليلُه أَنَّك لَا تَقول مررتُ بكلِّ قَائِما وَلَا ببعضٍ جالِساً مُبْتَدِئاً وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ إِذا جَرَى ذكرُ قوم فَتَقول مَرَرْت بكلِّ أَي مررتُ بكلِّهم ومررتُ ببعضٍ أَي مَرَرْت ببعضهم فيستغنى بِمَا جَرَى من الْكَلَام ومعرفةِ الْمُخَاطب بِمَا يُعْنَى عَن إِظْهَار الضَّمِير وَصَارَ مَا يَعْرِفُ المخاطبُ مِمَّا يُعْنَى بِهِ مُغْنِياً عَن وَصفه وَلم يُوصَفُ بِهِ أَيْضا لأَنهم لما أقاموه مُقامَ الضَّمِير وَالضَّمِير لَا يُوصف بِهِ إِذا لم يكن تَحْلِيَةً وَلَا فِيهِ معنى تحليةٍ لم يَصِفُوا بِهِ لَا يُقَال مررتُ بالزَّيدين كُلِّ كَمَا لَا يُقَال مررتُ بكلِّ الصَّالِحين فَإِن قَالَ قَائِل لَمَ لَمْ يُبْنَ كُلٌ حِين حذفوا المضافَ إِلَيْهِ قيل لَيْسَ فِي كُلٍّ من الْمعَانِي الَّتِي توجِبُ البناءَ شيءٌ وأصلُ الأسماءِ الإعرابُ وَإِنَّمَا يَحْدُثُ البناءُ لعارِض مَعْنىً فَكَانَ اتّباعُ الأصلِ أَوْلَى وَمن هَاهُنَا قَالُوا إنَّها لَا يجوز بناؤها لِأَنَّهَا جُزْء فأتبعنا الجُزْء الكلَّ إِذا كَانَ كُلٌ معرباً لأنهُ أسبقُ لعمومه من اتِّباعِ الكُلِّ البَعْضَ فَلَمَّا أُجْرِيَ مُجْرَى خلافِهِ لم يُضَمَّنْ معنى الحرفِ وَلما لم يُضَمَّنْ مَعْنَاهُ لم يجب فِيهِ البناءُ وجَرَى على أصلِ الإعرابِ ككُلِّ وَهَذَا من أقرب مَا سمعناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَقد ذُكِرَ فِيهَا غيرُ الَّذِي قُلْنَا فتركناه لِأَنَّهُ لم يَصح عندنَا وَهَذَا كُله تَعْلِيل الْفَارِسِي وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي كُلٍّ التأنيثَ فَقَالَ كُلَّتُهُنَّ منطلقةٌ وَلم يَحْكِ ذَلِك فِي بعض فَأَما كِلَا فَلَيْسَ من لفظ كُلٍّ، كُلٌ مضاعفٌ وكِلَا معتلٌ كمِعاً أَلفه منقلبة عَن وَاو بِدلَالَة قَوْلهم كِلْتَا إِذا بدلُ التَّاء من الْوَاو أَكثر من بدلهَا من الْيَاء وَقد أَبَنْتُ ذَلِك فِي بَاب بِنْتٍ وَأُخْت بنهاية الْبَيَان وأجْمَعُ معرفةٌ تَقول رأيتُ المالَ أجمعَ ورأيتَ المالَيْنِ أَجْمَعَينَ وَقَالُوا رَأَيْت القومَ أَجْمَعِينَ وَلَيْسَ أجْمَعُونَ وَمَا جَرَى مَجْراه بِصفة عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَكَذَلِكَ واحدُه ومذكرُه ومؤنثه وَإِنَّمَا هُوَ اسْم يجْرِي على مَا قبله على إعرابه فيُعَمُّ بِهِ ويُؤَكَّدُ فَلذَلِك قَالَ النحويون: إِنَّه صفة وَلَو كَانَ صفة لما جرى على الْمُضمر لَان الْمُضمر لَا يُوصف وَمِمَّا يدلك على أَنه لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنَى إشارةٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا حِلْيَةٍ وَقد غَلِط قومٌ فَتَوَهَّمُوهُ صِفَةً وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَن لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنَى إشارةٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا حِلْيَةٍ وَقد غَلِط قومٌ فَتَوَهَّمُوهُ صِفَةً وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَنه لَيْسَ بِصفة وَقَالَ فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف إِذا سميته بأَجْمَعَ صرفته فِي النكرَة وَقد غلط الزجاجُ فِي كِتَابه فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف وردَّ عَلَيْهِ الْفَارِسِي بعد أَن حكى قولَه فَقَالَ: وَقد أغْفَلَ أَبُو إِسْحَاق فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جُمَعَ فِي كِتَابه فِيمَا لَا ينْصَرف وَهَذَا لَفظه قَالَ: الأَصْل فِي جَمْع جَمْعَاء جُمْعٌ مثل حَمْرَاء وحُمْرٌ وَلَكِن حُمْر نكرَة فأرادوا أَن يُعْدَلَ إِلَى لفظ الْمعرفَة فعُدِلَ فُعْلٌ إِلَى فُعَل قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَ جَمْعَاء مثلَ حَمْرَاء فَيلْزم أَن يُجْمَعَ على حُمْرٍ كَمَا أَن أَجْمَعَ لَيْسَ مثلَ أَحْمَرَ وَإِنَّمَا جَمْعَاءُ كَطَرْفَاءَ وصَحْرَاءَ كَمَا أَن أَجْمَعَ كأَحْمَد بِدلَالَة جَمْعِهِمْ لَهُ على حَدِّ التَّثْنِيَة فقد ذهب فِي هَذَا القَوْل عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال وَعَن نَص سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْجِنْس أَنه لَا يجمعُ هَذَا الضربَ من الجَمْعِ وَعَما نَصَّ على هَذَا الْحَرْف بِعَيْنِه حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ واحدٌ مِنْهُمَا يَعْنِي من قَوْلك أجمع وأكتع فِي قَوْلك مَرَرْت بِهِ أجمع وأكتع بِمَنْزِلَة الأَحْمَرَ لِأَن أَحْمَرَ صفة للنكرة وأجمعُ وأكتعُ إِنَّمَا وُصِفَ بهما معرفةٌ فَلم ينصرفا لِأَنَّهُمَا معرفةٌ وأجمعُ هُنَا معرفةٌ بِمَنْزِلَة كُلُّهُمْ، انْقَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَمَا يَجْرِي هَذَا المَجْرَى مِمَّا يَتْبَعُ أَجْمَعُونَ كَقَوْلِك أكتعون وأبْصَعون وأبتعون وَكَذَلِكَ المؤنثُ والاثنانِ والجميعُ فِي ذَلِك حُكْمُه سواءٌ والقولُ فِيهِ كالقول فِي أَجْمَعِينَ وكلُّه تابعٌ لأجمعين لَا يتَكَلَّم بواحدٍ مِنْهُنَّ مُفْرداً وكُلُّها تَقْتَضِي معنى الْإِحَاطَة، وَمِمَّا يدل على معنى الإحاطةِ قاطبةً وطُرًّا والجَمَّاءَ الغَفِيرَ وَنحن آخذون فِي تَبْيِين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى: اعْلَم أَن الجَمَّاء هِيَ اسْم والغَفِير نعتٌ لَهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْمَعْنى الجَمُّ الْكثير لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الكثرةُ والغَفِيرَ يرادُ بِهِ أَنهم قَد غَطّوا الأَرْض من كثرتهم غَفَرْتُ الشيءَ إِذا غَطَّيْتُهُ وَمِنْه المِغْفَرُ الَّذِي يوضع على الرَّأْس لِأَنَّهُ يُغَطِّيهِ ونصبه فِي قَوْلك مررتُ بهم الجَمَّاءَ الغفيرَ على الْحَال وَقد علمنَا أَن الْحَال إِذا كَانَ اسْما غير مصدر لم يكن بِالْألف وَاللَّام فأَخرَجَ ذَلِك سِيبَوَيْهٍ والخليلُ أَن جَعَلَا الغفيرَ فِي مَوضِع العِراكِ كَأَنَّك قلتَ مررتُ بهم الجُمُومَ الغُفْرَ على معنى مَرَرْت بهم جامِّين غافِرِين للْأَرْض أَي مُغَطِّينَ لَهَا وَلم يذكر البصريون أَنَّهُمَا يستعملان فِي غير الْحَال وَذكر غَيرهم شِعْراً فِيهِ الجَمَّاءُ الغفِيرُ مَرْفُوع وَهُوَ قَول الشَّاعِر:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute