للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١ - بَاب مَا يكون للمذكر والمؤنث وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِك مُخْتَلف

من ذَلِك (المَنُونُ) تذكر وتؤنث وَتَكون بِمَعْنى الْجمع فَمن ذكره ذهب بِهِ إِلَى معنى الدَّهْرِ وَمن أنثه ذهب بِهِ إِلَى معنى المَنِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِي: المَنُونُ - المَنِيَّة والمَنُونُ - الدَّهْر وَأنْشد قَول الشَّاعِر:

(فَقُلْتُ أنَّ المَنُونَ فَانْطَلِقْنَ ... تَعْدُو فَلَا تَسْتَطِيع تَدْرُؤُهَا)

تَعْدُو - تَشْتَدُّ قَالَ الْهُذلِيّ:

(أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ)

فأنث المَنُون على معنى المَنِيَّةِ وَيُنْشَدُ وَرَيْبِهِ فَذكر المَنُونُ على معنى الدَّهْرِ قَالَ الْفَارِسِي: وَمن روى وَرَيْبِه ذهب بِهِ إِلَى معنى الْجِنْس وَمن جعل المنونَ جمعا بِهِ إِلَى معنى المَنَايَا قَالَ عدي بن زيد:

(مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَدَّيْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ)

حَمَلَه على رَأَيْت المنايا عَدَّيْنَ قَالَ أَبُو عَليّ: إِنَّمَا سمى الدَّهْر والمنية مَنُوناً لأخذِها مُنَنَ الْأَشْيَاء - أَي قُواها والمَنِينُ الحَبْلُ الخَلَقُ

وَمن ذَلِك (الفُلْكُ) يكون وَاحِدًا وجمعاً وَقد قدَّمت أَنه يذكر وَيُؤَنث وَلَيْسَ الفُلْكُ وَإِن كَانَ يَقع على الْوَاحِد والجميع بِمَنْزِلَة المَنُونِ إِذا كَانَ جمعا فَلَيْسَ بتكسير مَنُونٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْم دَال على الْجِنْس كَمَا أَرَيْتُكَ وَأما الفُلك الَّذِي يُعْنَى بِهِ الْجمع فتكسير الفُلْكِ الَّذِي يُعنى بِهِ الْوَاحِد أَلا ترى أَنه سِيبَوَيْهٍ قد مَثَّلَهُ بأسَدَ وأُسْدٍ ونَظَّرَ فُعْلاً بفَعَلَ إِذْ كَانَا قد يَعْتِقِبانِ على الكملة الْوَاحِدَة كَقَوْلِهِم عُدْمٌ وعَدَمٌ وسُقْمٌ وسَقَم فالضمة الَّتِي فِي فُلْكٍ وَأَنت تُرِيدُ الجمعَ غيرُ الضمَّة الَّتِي فِي فُلْك وأنتَ تُرِيدُ الْوَاحِدَة وَقد كشفتُ جَلِيَّةَ هَذَا الْأَمر فِيمَا تقدَّم وأتيتُ بِنَصِّ قَول سِيبَوَيْهٍ وذكرتُ اعتراضَ أبي عليّ على أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الْفَصْل وتَسْفِيهَهُ رَأَيَهُ عِنْد ذكر الفُلْك فِي بَاب السَّفِينَة إِذْ كَانَ فصلا لم يُوضحهُ أحد من قَدَمَاء النَّحْوِيين فحقيقته وَقَالَ جلّ ثناؤُه فِي تأنيثها: {قُلْنَا احْمِلْ فِيها من كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: ٤٠] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْجمع: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يُونُس: ٢٢]

وَمن ذَلِك (الطَّاغُوتُ) يَقَع على الوحد والجميع وَقد قدَّمت أَنه يذكر وَيُؤَنث قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الطاغُوتُ جمع وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا على مَا قَالَ وَذَلِكَ أَن الطاغوت مصدر كالرَّغَبُوت فَكَمَا أَن هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي هَذَا الِاسْم على وَزنهَا آحادٌ وَلَيْسَت بجموع فَكَذَلِك هَذَا الِاسْم مُفرد لَيْسَ بِجمع وَالْأَصْل فِيهِ التَّذْكِير وَعَلِيهِ جَاءَ: {وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يُكْفُرُوا بِهِ} [النِّسَاء: ٦٠] وَأما قَوْله: {أَنْ يَعْبُدُوهَا} [الزمر: ١٧] فإنَّما أنَّث على إِرَادَة الْآلهَة الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَيدل على أَنه مصدر مُفْرد قَوْله تَعَالَى: {أولِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [الْبَقَرَة: ٢٥٧] فأفرد فِي مَوضِع الْجمع كَمَا قَالَ الشَّاعِر:

(هُمُ بَيْنَنَا فَهُمْ رِضاً وهُمُ عَدْلُ ... )

فَأَما قِرَاءَة الْحسن أولياؤُهم الطَّواغِيتُ فَإِنَّهُ جمع كَمَا جمع المصادر فِي قَوْله:

(هَل من حُلومِ لأَقْوامٍ فتُنْذِرَهُمْ ... مَا جَرَّتَ الناسُ من عَضِّي وتَضْرِيسِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>