الدِّلالة على الجمْع ويُفارِقه فِي العَطْف لِأَن الْوَاو هُنَاكَ لم تُدخِل الِاسْم الآخر فِي إِعْرَاب الأول كَمَا فعلت ذَلِك فِي الْبَاب الثَّانِي فَإِذا كَانَ كَذَلِك علم أَن الْمَعْنى الَّذِي يُخَصُّ بِهِ الْوَاو الِاجْتِمَاع ويدلُّك على أَنَّهَا غيرُ عاطِفة فِي الْبَاب الأول وَأَنَّهَا فِيهِ للاجتماع دونَ الْعَطف أَنَّهَا لَا تَخلو عاطفةً من أحد أَمريْن إِمَّا أَن تَعطِف مُفْرداً على مُفْرد فتُشْركه فِي إعرابه وَإِمَّا أَن تعطف جملَة على جملةٍ وَلَيْسَ لَهَا فِي الْعَطف فسم ثَالِث فبَيِّنٌ أَن الِاسْم بعد الْوَاو فِي قَوْلهم مَا فَعَلْتَ وأباكَ وَجَمِيع الْبَاب الَّذِي يسمَّى المفعولَ مَعَه غيرُ مَعْطُوف على مَا قبله لِأَنَّهُ غير دَاخل مَعَه فِي جِنْسِيَّة إعرابه وَإِنَّمَا هُوَ مَعْمُول الْفِعْل الَّذِي قبل الْوَاو بتوسُّط الْوَاو كَمَا أَن الْمُسْتَثْنى منتصبٌ عَن الْجُمْلَة الَّتِي قبل إلاّ بتوسُّط إِلَّا عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَمن تَابعه فبَيِّن إِذا أَن الِاسْم الْمُفْرد المنتصب بعد الْوَاو غيرُ معطوفٍ على مَا قبلهَا لمُفارَقته إِيَّاه فِي إعرابه وَلَا هُوَ جملَة فتكونَ الْوَاو عاطفةً جملَة على جملَة فعُلِم أَن الْوَاو فِي هَذَا الموضِع بِمَعْنى الِاجْتِمَاع دونَ الْعَطف وَإِنَّمَا سمى النحويون هَذِه الْوَاو بِمَعْنى مَعَ الِاجْتِمَاع لِأَن معنى معَ الصُّحبةُ والصحبة اجتماعٌ وسَمَّوا المنتصب بعده مَفْعُولا مَعَه وَقد تَجِيء الْوَاو غيرَ عاطفةٍ على غير هَذَا الْوَجْه فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: (يَغْشى طائِفَةً منكُم وطائفةٌ قد أهمَّتهُم أنْفُسُهم) . فَهِيَ لغير الْعَطف فِي هَذَا الْموضع أَيْضا وَذَلِكَ أَن الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا غير دَاخِلَة فِي إِعْرَاب الِاسْم الَّذِي قَبْلَها وَلَا هِيَ معطوفةٌ على الْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا وَإِنَّمَا الكلامُ مَجْمُوعه فِي موضِع نصب بِوُقُوعِهِ موقِعَ الْحَال فَهَذَا مَا يُنْبِئُك عَن استحكام الْوَاو فِي بَاب الدِّلالة على الِاجْتِمَاع إِذْ كَانَ حكم الْحَال أَن تكون مصاحبةً لذِي الْحَال فَإِن جَاءَ شَيْء ظاهرُه على خلاف الِاجْتِمَاع رَدُّ تأويلُه إِلَيْهِ نَحْو قَول أهل الْعَرَبيَّة فِيمَا حُكي من قَوْلهم مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صَقْرٌ صائِداً بِهِ غَداً أَن مَعْنَاهُ مقَدِّراً بِهِ الصيدَ غَدا فلمّا كَانَ حَال الْوَاو وَمَا وصفتُ لَك وَكَانَ حكم الحالِ مَا ذكرتُ وَقعت الجملُ بعدَها وَصَارَت هِيَ مَعهَا فِي مَوضِع الْحَال ولِما ذكرنَا من تعلُّق هَذِه الْجُمْلَة الَّتِي دخلت الْوَاو عَلَيْهَا بِمَا قَبْلها فِي قَوْله تَعَالَى: (يَغْشى طائِفَةً منكُم وطائفةٌ قد أهمَّتهُم أنْفُسُهم) . وَكَونهَا مَعهَا فِي مَوضِع نصب مثَّلها سِيبَوَيْهٍ بإذ فَقَالَ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ إِذْ طَائِفَة يُرِيد أَن تعلُّقَ هَذِه الْوَاو مَعهَا ودخولَها عَلَيْهَا بِمَا قبلهَا كتعلُّق إِذْ مَعَ مَا اتصلتْ بِهِ بِمَا قَبْلَها وَأَنَّهَا مَعَ مَا بعْدهَا فِي مَوضِع نَصْب كَمَا أَن تِلْك مَعَ مَا بعْدهَا فِي مَوضِع نصب فِي ذَلِك الْموضع.
شرح الْفَاء
وَالْفَاء تضُمُّ الشيءَ إِلَى الشيءِ فَهِيَ تُوافِق الواوَ فِي ضَمِّ الشيءِ إِلَى الشيءِ وتُفارقها فِي الِاجْتِمَاع وَهِي لَازِمَة للدلالة على الاتْباع كلُزوم الْوَاو للدلالة على الِاجْتِمَاع وَذَلِكَ اعني الِاتِّبَاع أعمُّ فِيهَا من الْعَطف كَمَا أَن الِاجْتِمَاع فِي الْوَاو أعمُّ من الْعَطف والفرقُ بينَ العَطْف فِي بَاب الْفَاء وَبَين الِاتِّبَاع وَإِن كَانَ كلُّ يعود إِلَى معنى الِاتِّبَاع أَنَّك إِذا قلت ائْتِني فأُكْرِمَك وزُرْني فأَعرِفَ لَك ذَلِك فَإِنَّمَا وَجب الثَّانِي بِوُقُوع الأول وَلَيْسَ كَذَلِك العطفُ وَإِنَّمَا يدلُّك على أَن الْفَاء مَوْضُوعَة للدلالة على الِاتِّبَاع استعمالُهم إيّاها فِي جَوَاب الشرطِ إِذا لم يحسُن ارتباطه بِالشّرطِ وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْكَلَام جملَة من مُبْتَدأ وَخبر أَو فعلٍ وفاعل وَكَانَت غيرَ خَبَرِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: (فإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشَرِ أحدا فَقولِي إنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمن) فَلَو استعملوا الواوَ موضعَ الفاءِ على مَا فِيهَا من الدّلَالَة على الِاجْتِمَاع لأدّى ذَلِك إِلَى خِلاف مَا وُضِع لَهُ الشرطُ كَمَا أَنهم لَو وضَعوا الْفَاء موضِع الْوَاو فِي الْعَطف على الِاسْم الْمُضَاف بَيْنَ إِلَيْهِ إِذا كَانَ مُفرداً لَا يدل على أكثرَ من وَاحِد أَو فِي الْعَطف فِي بَاب الْأَفْعَال الَّتِي لَا تكونُ إِلَّا من اثْنَيْنِ فصاعِداً لبَقِيَت بَيْنَ مُضافةً إِلَى مُفْرد لَا يدُلُّ على أكثرَ من وَاحِد وَكَانَت هَذِه الْأَفْعَال مستَنِدةً إِلَى فاعلٍ واحدٍ وَكِلَاهُمَا ممتنعٌ فَثَبت أَن الْمَعْنى الَّذِي تَخُصُّ بِهِ الْفَاء الِاتِّبَاع والعطفُ داخلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute